YOUR EXISTING AD GOES HERE

سوريا – السفير – وكالات
منذ اندلاع الثورة السورية في منتصف شهر آذار عام 2011، برزت التوقعات بتحولها لثورة مسلحة، نظراً لطبيعة النظام الأمني الذي تواجهه، وعدم قدرته على الاستجابة للمطالب الشعبية بالوسائل السياسية والسلمية، ووفق الوقائع المعلنة، فإن انطلاقة العمل المسلح المنظم يؤرخ لها بإعلان المقدم المنشق (حسين الهرموش) عن تشكيل لواء الضباط الأحرار في 9/6/2011، الذي تحول فيما بعد لـ”حركة” الضباط الأحرار، لإفساح المجال لانضمام المدنيين الذين حملوا السلاح بوجه النظام القمعي، فباتت الثورة حركة مسلحة تمتلك قضية سياسية تتلخص باسقاط نظام الاسد، وبناء نظام جديد على اسس جديدة، فاكتسبت بذلك طابع حرب التحرير الشعبية، التي تتخذ من حرب العصابات أسلوباً لعملها، والدراسة التالية محاولة أولية لمقاربة العلم الخاص بحرب العصابات، وإسقاطه على الحالة السورية، لمعرفة مدى اقتراب وابتعاد الثوار عن المعايير والقوانين المعروفة لهذا النوع من التنظيم والقتال ولم لم يصلوا لهدفهم، وكيف يستطيعون تحقيقه استناداً لتجارب شعوب أخرى خاضت هذا النوع من الحروب.
أولاً: تعريف حرب العصابات:
ثمة العديد من التعريفات لحرب العصابات، صاغها قادة ومفكرون ومراكز دراسات، الفروق بينها طفيفة إلا أنها لا تتناقض مع بعضها البعض، وقد دمجنا معظمها في التعريف التالي:
حرب ثورية، غير تقليدية، يشنها مجموعة من السكان المحليين الذين يعارضون منهج الحكومة وفكرها وشرعيتها، سواء كانت الحكومة محلية أو أجنبية محتلة، ضد جيش تقليدي، ويستخدمون فيها أساليب قتال مبسَّطة، وأسلحة وأدوات رخيصة الثمن، لأن الثوار هم بغالبيتهم من المدنيين الذين لا يملكون خبرة عسكرية وإمكاناتهم المادية لا تتيح شراء الأسلحة.
وتهدف حرب العصابات عسكرياً إلى استنزاف قوة الجيش النظامي، وضرب الروح المعنوية لعناصره، وزعزعة ثقتهم بقيادتهم، ويستفيد من جهود مختلف ابناء المنطقة الثائرة، بغض النظر عن السن والجنس والمؤهلات.
ويعتمد الثوار في حرب العصابات على المباغتة (الإغارة) والكمين، في ظروف يتم اختيارها وفي توقيتات غير ملائمة للجيش النظامي، ويتم تفادي الاشتباكات الجبهيّة والالتحام بالجيش النظامي لعدم التكافؤ في التسليح. ويحقق الثوار أهدافهم الاستراتيجية، من خلال عدد من المعارك الصغرى التي يحددون مكانها وزمانها، بحيث تلحق بالعدو أكبر خسارة ممكنة، مع أقل الخسائر في صفوفهم، ويوصف ذلك بأسلوب القتل بألف جرح.
يطابق هذا التعريف، وقائع الثورة السورية في سنتها الأولى، إذا كان لجميع التشكيلات هدف سياسي معلن واحد، هو إسقاط النظام، واتبعوا أسلوب الإغارة والكمين على النقاط الضعيفة والمعزولة، وألحقوا الهزيمة بجيش النظام وأجبروه على الانسحاب من مناطق شاسعة دون أن يخوضوا معركة كبيرة واحدة، لكن الوضع تغير مع من ظهور التشكيلات الإسلامية المتشددة، التي أعلنت أن الهدف من قتالها إقامة الدولة الإسلامية، ويمكننا أن نؤرخ أول ظهور لهذه الجماعات في 24 كانون الثاني عام 2012، الذي ظهر فيه بيان تأسيس جبهة النصرة، موقعاً من الفاتح أبو محمد الجولاني، لتتوالى البيانات والتشكيلات التي تذهب في عدة اتجاهات لا يمرّ بعضها بالهدف الرئيسي وهو إسقاط النظام، لكن ذلك لم يمنع بقاء وظهور تشكيلات جديدة متمسكة بهدف الثورة الأول والأساسي، وبعضها أضاف إلى أهدافه مواجهة التشكيلات المتشددة، ومنعها من الاستيلاء على المناطق المحررة، كما نسجل هنا أن عدداً كبيراً من تلك التشكيلات نحى منحى تشكيل ما يشبه الجيوش النظامية، وكرسها لإقامة وحماية ما يشبه الإمارات أودويلات المدن أو حتى البلدات، ومع أن النجاح حالف بعضها إلا أن هذه النزعة قد حرفت اتجاه العمل العسكري، من استنزاف القوة الفعالة لقوات النظام، ليصبح هدفه المحافظة على سلطته المحلية الخاصة، ومظاهرها الهشَّة كدول وإمارات وجيوش، تمكن النظام من سحق بعضها، مع إلحاقه اضرار بالغة بالحاضنة الشعبية للثوار، وبمصالح المدنيين والبنية التحتية في مناطقهم، وفي النهاية بالقضية الثورية، التي خسرت الكثير، دون أي مبررات عسكرية أو سياسية.
ثانياً: مراحل حرب العصابات
وفق الدراسات التي تناولت بالبحث والتحليل حروب العصابات في القرن العشرين، مثل الحربين الفيتناميتين، والتجربة الصينية بقيادة ماو تسي تونغ، والتجربة الكوبية بقيادة كاسترو وغيفارا، فإن حرب العصابات تمرّ بثلاثة مراحل رئيسية هي:
1ـ مرحلة الاستنزاف والإنهاك.
2ـ مرحلة التوازن الاستراتيجي النسبي.
3ـ مرحلة الحسم.
ولكل من هذه المراحل الثلاث سماتها وأساليبها وأهدافها، ولا يجوز القفز فوق أي منها مالم تنجز كاملة، وقد لاحظنا في الحالة السورية، تداخل هذه المراحل والقفز فوق مرحلة التوازن الاستراتيجي أو تجاوزها قبل نضجها، لكننا بوسعنا أن نقول أن الثورة تجاوزت وانجزت مرحلة الاستنزاف في معظم المناطق، ويمكن التأسيس على ذلك لبناء المرحلتين التاليتين.
مرحلة الاستنزاف
هي مرحلة إطلاق العمل المسلح ونشره على أكبر مساحة ممكنة، وتنفيذ ضربات صغيرة تستهدف النقاط الضعيفة من جسم النظام العسكري والأمني، وتؤدي إلى استنفار شامل لقطعاته، لإضعافه في كل مكان.
في هذه المرحلة يكون الثوار عملياً في مناطق انتشار القوات الحكومية وأحياناً داخل ثكنات جيشه، الأمر الذي يمكنهم من إصابته بجراج صغيرة لكنها مؤثرة. وفي سوريا، نجحت العمليات التكتيكة التي لا تدوم سوى دقائق بإيقاع أكبر قدر من الخسائر في صفوف العدو، وأقل قدر من الخسائر في صفوف الثوار، بالتساوق مع ذلك لعب الإعلام الثوري الذي استخدم الأدوات الحديثة رغم بساطتها، من أجهزة اتصال وكاميرات، وبث صور وفيديوهات لعمليات الثوار عبر الفضائيات وشبكات الانترنت، دوراً مهماً في نشر أخبار وتفاصيل تلك الانتصارات، التي انعكست تأييداً جلب العون والمساندة للثوار، وساهمت في بعث الرعب والخوف بين صفوف العدو، حتى اضطر إلى الانسحاب والتمترس في أماكن محصنة ومعزولة.
سمات مرحلة الاستنزاف:
ـ في هذه المرحلة لا يملك الثوار عادة العدة والعتاد للتمسك بالأرض، ويتجمعون بأعدادهم القليلة من مناطق شتى لشن هجوم ناجح، ثم يتفرقون أو يتوجهون إلى منطقة أخرى، وهذا ما جعل العمليات في المرحلة الأولى في سوريا مثالية من وجهة نظر حرب العصابات، لكن في مراحل تالية وبعد إحراز بعض الانتصارات السهلة، بدأ الثوار بالتمترس والدفاع عن مناطق بعينها، كما ظهرت التشكيلات المحلية، التي أخذت على عاتقها الدفاع عن منطقة محررة، مقابل الاستحواذ على السلطة فيها.
ـ تشهد هذه المرحلة الحرص الشديد من الثوار على رضى القاعدة الشعبية، وعلى رفاق السلاح، وتنمية عددهم وزيادة تدريبهم، والحفاظ على أسلحتهم.
ـ تتسم هذه المرحلة بالتضامن والاعتماد المتبادل بين جماعات الثوار، وفي الحالة السورية برز ما يسمى بـ”الفزعة” حيث يبادر الثوار في أية منطقة لمهاجمة الأرتال والقوات المتجهة إلى إحدى المناطق الثائرة لمنع وصولها إلى رفاقهم الآخرين، أو عرقلة تقدمها على الأقل ريثما يستعدون لمواجهتها أو الانسحاب.
ـ نظراً لكون الثوار من أبناء المنطقة ذاتها، فإن هذه المرحلة تشهد تلاحماً بين المدنيين والثوار، ويقدم المدنيون كل ما يساعد الثوار على البقاء والاستمرار، خاصة المخابيء والإعاشة.
ـ تمتاز هذه المرحلة بالحذر وجس النبض من قبل الثوار، والمناورة بالزمن بشكل صحيح، حيث يفرضون التوقيتات والأماكن المناسبة لعملياتهم، وفي الحالة السورية، لم يستجيبوا في الأشهر الاولى للثورة مثلاً لاستفزازات قوات النظام عبر الإعلام وتحديهم للثوار بملاقاتهم في المكان الفلاني أو المدينة الفلانية، ولم يعلنوا عن أية عملية قبل قيامها، كما بات يحدث في مراحل لاحقة.
ـ تتميز هذه المرحلة بنشاط استخباراتي كبير من قبل الثوار، توفره الحاضنة الشعبية المتعاطفة.
لقد نجح الثوار في إطلاق هذه المرحلة ونشر العمليات العسكرية على امتداد الأراضي السورية، مع التباين في التوقيتات، لكنهم فشلوا في أماكن عديدة بإيصالها إلى مرحلة النضج للانتقال إلى مرحلة التوازن الاستراتيجي، بسبب عوامل عديدة أبرزها:
• عدم وجود قيادة موحدة وتنظيم مركزي.
• دخول المال السياسي على خط العمل العسكري، وانشغال الثوار بتلبية مطالب الداعمين والممولين عن الهدف الاستراتيجي.
• ظهور النزعات الشخصية بين القيادات المحلية وطغيان الطموحات الخاصة على الهدف الجماعي.
• ظهور الجماعات الإسلامية التي عملت على منع تطور المرحلة الأولى بطريقتين، فمن ناحية عملت على أجنداتها الايديولوجية بعيداً عن اهداف الثورة، ومن ناحية أخرى ناصبت من يعمل على الهدف العام العداء حتى أقصت معظمهم عن القيادة والعمل المسلح واحتكرته، واستتبعت معظم العاملين في هذا الحقل بعد أن تسيَّدت الميدان.
أيضا تم تدمير نتائج هذه المرحلة وعدم الاستفادة منها في بعض المناطق من خلال حرق المراحل، والقفز فوق مرحلة التوازن الاستراتيجي والبدء بشن هجمات لها طابع الحسم دون أن يكون لمن قام بها الامكانيات أو الخبرة أو ظروف نجاح معركة الحسم، فكانت النتيجة تصفية الثورة ومرتكزاتها في بعض المناطق على خلفية طموحات غير واقعية.
ومن الناحية العسكرية يمكننا اعتبار اللحظة التي تم فيها فك الاشتباك بين الثوار والنظام وظهور خطوط التماس، دون التحول فعلياً إلى مرحلة التوازن الاستراتيجي بداية خسارة مكاسب الثوار على الأرض، ولحظة التقاط النظام أنفاسه ووقوفه على قدميه مجدداً.
إن عدم اكتمال هذه المرحلة، وعدم ولوج المرحلة اللاحقة بشكل صحيح، هو الحلقة الغائبة في عمل الثوار السوريين، ويمكن على كل حال تداركها، وإعادة بناء المراحل بشكل صحيح.
مرحلة التوازن الاستراتيجي النسبي خلافاً للمرحلة السابقة، تحتاج هذه المرحلة إلى ترتيبات تنظيمية عسكرية ومدنية يجب أن تنفذ.
عسكرياً يبدأ الثوار بزيادة عددهم وتنظيم قواتهم مستفيدين من انسحاب قوات النظام من مناطق شاسعة، وذلك بغرض تجميع القوة الكافية لمواجهته، ولملء فراغ السلطة الناشئ، دون الانشغال بأحد هذين الواجبين عن الآخر، ومن أجل ذلك عليهم أن يشكلوا قوات شبه نظامية تقسم إلى قسمين، الأولى لمواجهة احتمال تقدم قوات النظام وتتبع للقيادة المركزية، والأخرى لحفظ الأمن “دفاع ذاتي” وتشكل من أهالي كل بلدة وناحية.
أما على الصعيد المدني فإن انسحاب قوات النظام الذي سيليه بلا شك انهيار نظام الإدارة العامة، يجب أن يوازيه ظهور نظام سياسي واقتصادي في المنطقة المحررة، لضمان استمرار عجلة الحياة اليومية، واستمرار الخدمات الأساسية، ويقع هذا الجزء من الإجراءات على عاتق التنظيم السياسي المركزي، وهو مالم يتحقق على أرض الواقع في المناطق الكبيرة التي خرجت عن سيطرة النظام، وانتظرت لمدة طويلة دون جدوى، حتى تمكنت التنظيمات المتشددة من إقامة نظام سياسي واقتصادي بموازاة التنظيم المسلح، وبدأت بترسيخ سلطتها فيها، وأبرز مثال على ذلك محافظة الرقة التي حررت بالكامل وبقيت لأكثر من سنة دون تدخل من الجهات السياسية، حتى ظهر تنظيم الدولة الإسلامية واستولى عليها لتصبح أقوى قواعد التنظيم ومنطلقاً لعملياته في سوريا والعراق.
إن مرحلة التوازن الاستراتيجي اذ ما أنجزت بشكل صحيح، فإنها تبعث الشعور في قادة وعناصر قوات العدو بأن الحسم والقضاء على الثوار ضرب من الخيال، وأن من الأجدى التفاوض والتصالح معهم، ويبدأ في البحث والقبول بالحلول السياسية والتفاوضية، والثوار يجب أن يتركوا هذا الباب مفتوحاً، على أن لا يؤدي ذلك إلى توقف عملياتهم العسكرية.
لقد بدا أن الثوار بلغوا في الكثير من المناطق السورية مطلع عام 2013، وحتى منتصفه، مرحلة التوازن الاستراتيجي، وقبل النظام وحلفاؤه بالاحتكام إلى جنيف واحد بعد أن رفضوه حين طرح عام 2012، لكن توقف العمليات العسكرية، أو تراجعها، وانشغال الثوار بالحرب فيما بينهم، خاصة الحرب بين بعض الفصائل وتنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام، مطلع عام 2014، أي قبيل بدء مفاوضات جنيف2، شجع النظام على استجرار المزيد من الدعم من حلفائه الإيرانيين والميلشيات الشيعية في لبنان والعراق، وتمكن من تغيير الموازين لترجح لصالحه في النصف الأول من السنة الأخيرة.
إن المرحلة التالية “الحسم” لا يمكن أن تنطلق بشكل صحيح مالم تعش المناطق المحررة وقواعد الثوار في مرحلة من الاستقرار النسبي الذي يكتنفه نشاط مكثف لترتيب أمور الهجوم الكبير، والاستعداد لتلقي ردّات الفعل عليه، داخلياً وخارجياً.
مرحلة الحسم هي المرحلة الأخيرة في حرب التحرير الشعبية وفق منهج حرب العصابات، تكتمل فيها تحضيرات تنظيم الثوار وتدريبهم، ويتحولون من قوات شبه نظامية في مرحلة التوازن، إلى قوات نظامية في نهاية الأمر، ويتم التمهيد لمعركة الحسم بخلاف المراحل السابقة بإعلان ودعاية سياسية وشحذ إعلامي على أوسع نطاق، يلي ذلك التحشيد العسكري أمام قوات الجيش النظامي لخوض معركة كسر العظم، بعد أن يكون الثوار قد نخروا بنيته عبر المرحلتين السابقتين.
لكن يجب الانتباه إلى أن الجيش النظامي في هذه المرحلة لن يبدي الضعف أوالتراخي، فالمعركة هي الأخيرة والمصيرية، لذلك فإنه سوف يستميت في الدفاع عن نفسه، وسيزج كل ما يدّخره من أسلحة وذخائر وجنود في هذه المعركة، وهو ما يجب أن يستعد ويتحوط له الثوار مسبقاً، فيعمل على إجهاض عزيمة العدو من خلال فتح الباب لاستقبال المنشقين والفارين من جبهة النظام، الذين سيتزايد عددهم أيضاً عندما يلوح أن النصر سيدين للثوار قريباً، كما أن الخلافات بين أركان النظام ستتعمق وتزداد وتطفو على السطح في هذه المرحلة، وكل ذلك يجب التخطيط لاستغلاله بأفضل شكل، وفتح وتكثيف قنوات الاتصال والتواصل مع أنصار النظام.
تبدأ مرحلة الحسم بالاستيلاء على ما تبقى من المناطق المعزولة والمدن الصغيرة والأرياف، ثم قطع خطوط المواصلات الداخلية وعزل النظام في المدن التي سيجعلها قلاعا حصينة، وإغلاق منافذه الحدودية إلى العالم الخارجي، بعد ذلك تشن هجمات مركزة على المدن التي يتحصن بها وسط تصعيد إعلامي ممنهج ومدروس، لإحداث الصدمات التي تفقده السيطرة المركزية بعد أن تم شل قدرته الحركية بقطع خطوط الإمداد وتقطيع أوصاله وعزله في أماكن متباعدة بحيث لا تستطيع قواته أن تقدم المعونة لبعضها.
ومن القواعد المهمة في هذه المرحلة أن يرفض الثوار علناً أي دعوة للتفاوض، فذلك يحطم آمال العدو، ويودي بالروح المعنوية لمقاتليه.
ثالثاً: الاستراتيجية والتكتيك في حرب العصابات
لقد أتقن الثوار السوريون، وبشكل عفوي، تكتيكات حرب العصابات، لكن تلك النجاحات لم توضع في سياق موحد ومفكر به، لذا فقدت جل أهميتها، ولابد لهم في الوضع الراهن من وضع استراتيجيا شاملة وملتزم بها، فيما إذا أرادوا الوصول إلى الخاتمة التي ينشدونها لثورتهم.
استراتيجيا حرب العصابات:
يختصر ماو تسي تونغ استراتيجية حرب العصابات بالعبارات التالية “عندما يهاجم ننسحب، وعندما يتراجع نطارده، وعندما يتوقف نناوشه، وعندما تخور قواه نجهز عليه”، يتضمن هذا الاختصار كافة عناصر الاستراتيجية التي يحتاج إليها الثوار في كل زمان ومكان لبناء خطتهم العامة.
مبادئ استراتيجية أساسية
إن المبادئ الاستراتيجية للحروب الشعبية وأسلوبها المتمثل بحرب العصابات، تنبع من طبيعتها، فهي حرب يخوضها أشخاص مدنيون لهم مطالب سياسية لم يستطيعوا أن ينالوها بالطرق السلمية ضد جيش نظامي، وهي غير متكافئة من ناحية السلاح والتنظيم، وعلى الثوار أن يعوضوا كافة النواقص والفوارق المادية والمهنية والإدارية بالإبداعية والإرادة والعمل الدؤوب.
1- من أهم المبادئ الاستراتيجية لحرب العصابات هو أن الثائر يقاتل للحفاظ على حياته ووجوده وبقاء قضيته السياسية، ولا ينشد تحقيق انتصارات عسكرية ساحقة أو السيطرة على أراضي شاسعة، فذلك ما يطلب من الجيوش النظامية تحقيقه لتثبت انتصارها، ومهمة الثوار بهذا المعنى الوصول إلى النتيجة السلبية، أي عدم سيطرة القوات النظامية على الأوضاع، وعدم تحقيقهم انتصارات عسكرية ساحقة، والانكفاء عن مساحات كبيرة، وفي الوقت نفسه عدم تعرضهم للإبادة أو إنهاء انتفاضتهم المسلحة، أو سقوط هدفهم السياسي.
وقد أخذ ثوار سوريا بهذا المبدأ لمدة تزيد عن العام، وركزوا جهودهم وإمكانياتهم على إحراز الانتصار في معارك صغرى، لكن ما أن بدأت نتائج ذلك التقدم بالظهور على الأرض حتى ظهرت نزعات سلطوية متعددة المنشأ، وراحت تسعى لتكريس سلطتها الخاصة في مناطق محددة، متخلية عن الهدف الأساسي للثورة.
2- ما أن تقوم الثورة يجب أن يقوم نظام سياسي واقتصادي داعم لها، ولن يستطيع الثوار المقاتلون من الذهاب بعيداً في عملهم مالم تكن الحاضنة الشعبية إلى جانبهم، وتقدم لهم الحماية والدعم، وبدون تعاونهم يصبح الثوار، الذين تجمعهم قضية واحدة، عبارة عن عصابات إجرامية، خارجة على القانون لا أكثر. ولترسيخ ذلك يجب أن يقوم الثوار بوضع نظام يساعد السكان المدنيين على الاستمرار في العيش والإنتاج، ويوفر نوعاً من المصلحة المتبادلة بين الطرفين. ومن نافل القول أن الثورة السورية لم تستطع أن تقدم هذا النموذج سوى في مناطق محدودة ومحلية، وفشل معظمها بسبب الصراعات البينية للفصائل، وعدم تمكن أطر الثورة السياسية العامة من إيجاد جسد تنظيمي في الداخل السوري، إضافة إلى تعدد الداعمين واختلاف أجنداتهم.
3- العمل على عنصري المجال والزمن: بما أن الثائر الذي يستخدم أسلوب حرب العصابات بسبب عدم التكافؤ في الإمكانيات، فإنه لا يبحث عن الانتصار بل يتجنب الهزيمة، ولا يسعى لحسم الموقف العسكري بل إلى إطالة أمد الحرب، ريثما يتم الحصول على نصر سياسي أهم من أي نصر عسكري، وبذلك يسعى دائما إلى التحرك بحرية في مجال مفتوح يؤمن له القدرة على مباغتة وضرب العدو دون أن يتمكن من الإمساك به أو محاصرته، وتسمح له حريته في العمل على عنصر الزمن باختيار الدخول أو عدم الدخول في أية معركة، بالمقابل يستطيع فرض المعركة التي يشاء على الخصم، وبينما يطول أمد الثورة، فإن الثوار يتكاثرون، وكلما دام بقاء الثوار أكثر كلما ازدادت فرصهم بالانتصار.
4- الثوار بعد أن يتخلوا تماماً عن فكرة الاستحواذ على الأرض، كمعيار لنجاحهم، يجب أن يركزوا على تدمير القوة الفعالة للعدو، وعند تدمير قوات العدو ستصبح مناطق كاملة دون سلطة، ويمكن للثوار اعتبارها مناطق محررة، على أن لا يتم الإعلان رسمياً عن وقوعها تحت سيطرة الثوار، لأن ذلك يقتضي منهم أن يؤمنوها بنظام إداري واقتصادي قد لا يكونون قادرين على تأمينه، أو أن يكون عرضة للتدمير على يد قوات النظام.
5- يبدأ الثوار عملهم دائماً في المناطق المعزولة، وعلى قطعات العدو المشتتة والصغيرة، ثم مهاجمته وإبادته عندما يكون متحركاً، دون إهمال البحث في كيفية مهاجمة التحصينات والتجمعات التي يقتربون منها.
6- بما أن الزمن متاح للثوار، فإنهم غير مضطرين للدخول في أية معركة دون تخطيط وتحضير كافيين، وبعد التأكد من إمكانية الانتصار فيها، إلا في حالات مباغتة العدو لهم وهي نادرة عملياً، لأن قوات العدو لم تعد قادة على التحرك إلا بعد اتخاذ إجراءات أمنية وعسكرية وحراسة مشددة، وهذه تنكشف بسهولة لجهاز استخبارات الثورة، الذي يشكل الشعب الموالي للثوار جزءاً منه.
7- إن العدو يتوقف لالتقاط انفاسه مرات عديدة أثناء حرب التحرير، والثوار بحاجة لفترات التوقف هذه أيضاً لإعادة هيكلة وتنظيم قواتهم وصفوفهم وتدريب عناصرهم وتأهيل كوادرهم غير المدربة، على أن لا يستغرق ذلك كل الوقت، فإبداء العزيمة والرغبة الدائمة بمهاجمة العدو وهزيمته يجب أن تكون الشغل الشاغل للثوار في كل الظروف.
8- الإبداعية، إن ثائر العصابات يجب أن يكون مبتكراً في أساليبه وعملياته،لتعويض الفارق بينه وبين العدو، ولأن الجيوش النظامية تعمل وفق مخططات جاهزة لمواجهة التهديدات المحتملة، وغالباً عندما تواجه خطراً من طبيعة غير مدربة على مواجهتها فإنها تقع في التخبط والإرباك، أو تحجم عن اتخاذ أي رد فعل بانتظار التعليمات من مراكز القيادة.
9- على الثوار أن يسمحوا ويفتحوا خطوط إمداد العدو متى كان بإمكانهم أن يستولوا على شحناته وإمداداته، وفي هذا الصدد يقول ماو تسي تونغ إن “خطوط إمداد العدو تغذي الطرفين النظام والثوار، وأحيانا تعمل لصالح الثوار بشكل أفضل”.
رابعاً: تكتيك حرب العصابات
رغم كل التطورات العلمية والتقنية، ما يزال الكمين والإغارة هما مكون حرب العصابات الرئيسي، يضاف إليه بعض التعديلات والتحسينات هنا وهناك، وكما قلنا سابقاً فإن الثوار السوريون نجحوا من الناحية التكتيكية نجاحاً كبيراً، ولايزالون قادرين على المضي في عمليات تكتيكية ناجحة، ويتأقلمون مع كافة الظروف والوضعيات القتالية، ولعل تكتيك الأنفاق الذي ظهر في السنة الاخيرة، أحد مظاهر قدرتهم على التكيف مع مختلف الظروف، وكانوا قبلها قد تمكنوا من تحقيق إنجازات كبيرة على صعيد تصنيع الأسلحة والذخائر محلياً، في ظل شح الدعم وامتناع كافة الأطراف عن تقديم الأسلحة الثقيلة والنوعية لهم.
المبادئ الاساسية في تكتيك حرب العصابات
1- يجب أن يتخلص الثوار من العناد والحماس الزائد، والتحلي بمكر الثعلب وقدرته على التملص من براثن عدوه، فالهدف الاستراتيجي لحرب العصابات هو البقاء و الاستمرار في القتال وليس تحقيق النصر، وعليه فإن الفرار لا يشكل أية نقيصة لعمل الثوار أو بطولتهم، بل أن أحد أشهر قادة حرب العصابات وهو ماو تسي تونغ، يطالب الثوار بأن يكونوا خبراء في الفرار.
2- يمنع في حرب العصابات أن تقع مجموعات الثوار تحت الحصار، حتى لو أدى بهم ذلك إلى التنازل عن مكتسبات معينة.
3ـ أماكن تموضع الثوار يجب أن تكون محمية طبيعياً، ومحصنة هندسياً ومزودة بطرق نجاة سرية وآمنة.
4ـ في حلهم وترحالهم يجب على الثوار أن لا يتركوا أية آثار تدل على هويتهم أو عددهم أو عتادهم.
5- تأمين نقاط طبية حسنة التمويه والتحصين بالقرب من منطقة العمليات إضافة إلى نشر
مخازن صغيرة ومخفية للذخائر والمواد التموينية في منطقة العمليات للاستعانة بها عند الضرورة.
6ـ المفاجأة والسرعة والحسم، هي أهم عناصر عملية تكتيكية ناجحة.
7ـ عند القيام بعملية تكتيكية يجب أن يراعى فيها العامل الاقتصادي، بحيث يكون مردودها من الذخائر والمؤن المستولى عليها أكبر من التي يتم إنفاقها في العملية.
تقنيات حرب العصابات
الكمين: هو الاختفاء في موقع جيد بانتظار وصول العدو ووقوعه تحت السيطرة، حيث تهاجمه قوات الكمين بغرض إبادته أو الحصول منه على أسرى أو وثائق أو أسلحة أو معدات، وإثارة الذعر في صفوفه وترهيبه.
وتنقسم عادة قوات الكمين إلى ثلاث مجموعات، مجموعة الاستطلاع، ومجموعة الاقتحام، ومجموعة تغطية الانسحاب.
وللتحضير للكمين يجب دراسة العناصر التالية بشكل جيد:
المكان: يجب أن يكون مموهاً ويؤمن عنصر المفاجأة لحظة شن الهجوم، كما يؤمن الحماية أثناء الهجوم، ويجب أن تكون طرق الانسحاب منه مؤمنة ومستورة.، و يكبل حركة العدو، ويبقي قواته مكشوفة لنيران للكمين أطول فترة ممكنة.
الزمان: يتم اختيار التوقيت المناسب لكل عملية وفق معطيات المعركة وأهدافها وبالعموم يفضل شن الهجمات ليلاً أو في ظروف الرؤية السيئة، واختيار الوقت الذي تكون فيه قوات الخصم في أقصى حالات النعاس والتعب.
التسليح: بسبب اعتمادها على الحركة والمباغتة، تحتاج حرب العصابات لأسلحة خفيفة، يمكن التنقل بها، لكن قد يكون هناك تعديل ما على هذا النمط من التسليح حسب ظروف المعركة، فيتم اصطحاب أسلحة ثقيلة، لكن على الثوار أن يضعوا في حسبانهم احتمال فقد أو ترك هذه الأسلحة قبل الانسحاب.
ومن الأسلحة الضرورية لحرب العصابات: البنادق السريعة الطلقات والرشاشات، قاذف فردي مضاد للدروع مع ذخيرته، رشاش متوسط لتأمين التغطية الكثيفة، قنابل اليدوية. ألغام وعبوات ناسفة.
أساليب نصب الكمائن: طرق وأساليب نصب الكمائن مجال مفتوح للإبداع، وهنا اختصار لأهم النصائح والأساليب المتبعة:
• في حال كان العدو على شكل رتل، فيجب تجزئته أولا ونصب كمين لجزء منه وصب النيران عليه، فيما يتم مشاغلة بقية الرتل.
• يقترح جيفارا أن يتم نصب الكمين بطريقة سماها “الرقصة الموسيقية” وفيها ينقسم رجال الكمين إلى أربع مجموعات تتوزع على أربع جهات، وتقبع فيها انتظاراً للعدو، فإذا ما جاء العدو وتوسط هذه المجموعات عمدت إحداها إلى إطلاق النار عليه، فإذا هاجمها انسحبت أمامه بينما تطلق مجموعة أخرى النار عليه، وهكذا تتبادله المجموعات الأربع هجوماً وانسحاباً حتى تنهار روحه المعنوية ويستسلم.
• يرى ماوتسي تونغ والجنرال جياب قائد جيش التحرير الفيتنامي، أن الكمين يمكن أن ينفذ بطريقة مركبة يطوق فيها العدو مجموعة صغيرة ثم يكتشف بعد فوات الأوان أنه كان خاضعاً لخدعة ماكرة حيث تكون مجموعات كبيرة قد طوقته هو أيضاً.
الإغارة: لا فارق بين الكمين والإغارة، فهي هجوم مباغت، لكن في الكمين يقبع الثوار بانتظار العدو، بينما يتقدمون بطريقة مدروسة إلى هدف يتم اختياره بعناية.
وتتشابه أسلحة وشروط الزمان والمكان الواجب مراعاتهما في الكمين على ما يجب مراعاته في الإغارة، والاختلاف الوحيد هو في طرق الانسحاب في الإغارة التي يجب أن تدرس بعناية فائقة، فالمهاجمون يكونون قد انكشفوا ولا تحصينات لديهم، ولا يمكنهم المكوث في المكان، لذا يجب أن يكون قرار الانسحاب دقيقاً وأن يتم بسرعة دون تأخير خشية وصول تعزيزات للعدو، وطرق الانسحاب ينبغي أن تكون مموهة ومأمونة قدر الإمكان لتحاشي ضربات الأسلحة الثقيلة أو الملاحقة بالطيران، ويجب أن يتم تلغيم طرقات الانسحاب أو مفاصلها المهمة كالجسور لإعاقة تقدم العدو الذي يلاحقهم.
خامساً: قيادة حرب العصابات
إن حرب العصابات مثلها مثل الحرب النظامية تحتاج إلى قيادة مركزية موحدة، لديها سيطرة شاملة أو قدرة على التنسيق الشامل على أبعد تقدير، لكنها تتميز عن القيادة العسكرية التقليدية بكونها قيادة عسكرية سياسية في آن معاً، ويجب أن تتمتع بالتجانس العقائدي والفكري والمنهجي، والإيمان المشترك بالقضية السياسية وبالأسلوب المتبع لحلها.
ويجب أن تكون قيادة حرب العصابات بمثابة مظلة جامعة لكافة كوادر وإمكانيات وخبرات الثورة، وتمتاز بقدرتها على صياغة خطط العمل الثوري العسكري والسياسي، ووضع نظام سياسي واقتصادي للمناطق المحررة وتصريف الشؤون الحياتية المختلفة، وأن يكون أفرادها من ذوي المعرفة المباشرة بالمجتمعات التي تجري فيها الثورة.
القواعد الارتكازية للثوار
تفصح خبرة حروب التحرير الشعبية في القرن العشرين، أن الثوار يحتاجون الى قواعد تمركز وانطلاق لهم، وتفيد تلك الخبرة إلى أنه يمكن تقسيم البلاد إلى ثلاثة أقسام من هذه الناحية.
الأولى هي مناطق القواعد، والثانية هي مناطق متنازع عليها، والثالثة هي مناطق محتلة.
ولا يمكن القول عن المناطق التي ماتزال قوات الثوار فيها في حالة كر وفر بالقواعد، فما يوصف بالقواعد يجب أن يتيح إمكانية نشوء سلطة سياسية، ولا يمكن أن تنشأ تلك السلطة إلا حيث تمت إبادة العدو أو هزيمته بشكل مقنع للسكان هزيمة نهائية ولا رجعة فيها.
يحتاج نشوء القواعد في المناطق المحررة إضافة للنظرية السياسية الموحدة، إلى ظهور منظمات تستوعب أفراد الشعب، وقوات محلية من السكان لحفظ الامن، وإنشاء نظام سياسي واقتصادي.
أما في المناطق المتنازع عليها، فإن الثوار يمكن أو يجب أن يقيموا قواعد مؤقتة، يتم انتقاء مواقعها بعناية بحيث تكون منيعة ويسهل وصولهم إليها وانسحابهم منها، وليس في مقدور قوات العصابات هذه في الأيام الأولى من نشاطها إلا أن تنتقي في هذه المنطقة مواقع صالحة لتجعل منها مؤخرات مؤقتة لها أو بتعبير آخر قواعد مؤقتة لها، ولا يتم البدء ببناء النظامين السياسي والاقتصادي إلا بعد التأكد من أن التحرير مسألة لا عودة فيها، وأن عموم السكان يميلون بقوة الى جانب الثوار ويساندونهم.
أما المناطق المحتلة فإن الثوار يركزون على جعلها مناطق متنازع عليها، وفي هذه الأثناء تزرع فيها أكبر قدر ممكن من الخلايا النائمة، وهي أشبه بمشاريع قواعد مؤقتة مستقبلاً.
ثمة تقسيم آخر للقواعد وفقاً للطبيعة الطبوغرافية، حيث تقسم القواعد إلى قواعد في الجبال، وقواعد في السهول، و قواعد في المناطق التي تكثر في الأنهار والبحيرات والخلجان.
لكن بالنسبة إلى سوريا وبسبب الطبيعة السهلية الجردية لمعظم المناطق التي يسيطر عليها الثوار، فإن ذلك التقسيم غير ممكن، ويتم الاستعاضة عنه، خاصة الجبال، باللجوء إلى المناطق ذات الكثافة العمرانية، وهو ما أدى إلى تدمير مدن بأكملها. لكن هذا لا يعني عدم إمكانية إقامة القواعد في السهول، ولكن بشرط أن تكون في عمق كافي يقيها ضربات المدفعية البعيدة المدى، أما الطيران فيمكن الاحتماء منه بالتمويه الجيد واستخدام وسائل الإنذار المبكر، كذلك يجب أن تكون تلك القواعد صغيرة ومنتشرة على بقعة واسعة ولا يجتمع جميع من يتبع لها في مكان واحد إلا في مواعيد متباعدة وغير معروفة مسبقاً.
سادساً: تشكيلات حرب العصابات
في الثورات الفيتنامية والصينية تنظمت قوات الثوار في ثلاثة أنماط رئيسية هي:
• الجنود النظاميون: وهم متفرغون ومدربون، ويشكلون العمود الفقري لأي تحرك عسكري استراتيجي.
• المتطوعون: وهم جنود من كافة المناطق، يتطوعون للعمل في قوات الثوار لكنهم غير ملزمين بالمكوث الدائم في معسكرات الثوار، كما أن القيادة العسكرية غير ملزمة نحوهم بنفقات ثابتة، وهؤلاء يمكنهم أن يعودوا إلى أعمالهم لبعض الوقت ويلتحقوا بالقوات الثورية عند الحاجة.
• الميلشيات المحلية وقوات الدفاع الذاتي: تشكل من سكان كل منطقة، ويعملون في منطقتهم ذاتها، وهم من المتطوعين الذين يمكنهم العودة الى بيوتهم وأعمالهم بعد انتهاء نوبات عملهم، قتالية وامنية.
الوحدات التنظيمية المتعارف عليها لقوات الثوار
بما أن كافة القوى الثورية تطمح للتحول إلى جيش نظامي، فهي تؤسس نفسها عملياً وفق تقسيمات الجيش النظامي بوحداته الصغرى، وتتصاعد لتؤلف وحداته الكبرى.
لذلك تتأسس مجموعات الثوار أولاً وفق التشكيل الذي يسمى في الجيوش النظامية بالجماعة، وتعدادها من 9-12مقاتلين، وعندما يصبح لدى الثوار 3-4 جماعات يشكلون فصيلة، وعندما يصبح لديهم 3-4 فصائل يشكلون سرية، وعندما يصبح لديهم 3 -4 سرايا يشكلون كتيبة، وعندما يصبح لديهم 3-4 كتائب يشكلون لواء، وعندما يصبح لديهم 3-4 ألوية يمكنهم أن يشكلوا فرقة، وعندما يصبح لديهم 3-4 فرق يمكنهم أن يشكلوا فيلقاً، وعندما يصبح لديهم من3-4 فيالق يصبحون جيشاً.
سابعاً: توصيات
في الظروف الحالية، والمتمثلة في امتناع دول العالم المعنية بالقضية السورية عن التدخل السياسي أو العسكري الفعال، فإن الثورة المسلحة لابد لها من الاستمرار لتحقيق ما قامت من أجله، ولا مناص لها من مواصلة العمل وفق أسلوب حرب العصابات في ظل شح الموارد والتسليح.
من حيث المراحل، وصل الثوار في عملهم المسلح، إلى مرحلة التوازان الاستراتيجي، وبدأت المراوحة هناك مداً وجزراً، وأتقنت كتائب ومجموعات الثوار الأساليب التكتيكية ودخلت في طور الابتكار، وهذه معطيات جوهرية يمكن تطويرها والبناء عليها.
لكن ثمة ثلاثة أركان لابد من انجازها بالسرعة القصوى، وإلا فإن الثوار سيخسرون كل مكاسبهم السابقة وهي:
1- ظهور قيادة مركزية قوية جامعة لكل أطراف العمل العسكري والسياسي على الأرض.
2- وضع استراتيجية مناسبة متفق عليها من كافة القوى المقاتلة التي تخضع للقيادة المركزية.
3- الشروع في إنشاء قواعد للثوار، يرتكزون عليها في عملياتهم، وينشأ ويتطور فيها نظامهم السياسي والاقتصادي الخاص.
ملف كتبه لأورينت نت: عبد الناصر العايدملف الأسبوع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

معارك غزة.. فرق نفسية لمواجهة الميول الانتحارية لدى الجنود الإسرائيليين

السفير – وكالات أكدت صحيفة يديعوت أحرونوت أن قسم التأهيل في جيش الاحتلال الإسرائيلي …