YOUR EXISTING AD GOES HERE

تونس – السفير
بقلم: محمّد المقدّمي
لم تعد الحروب في زمننا هذا باستخدام الأسلحة والمعدّات العسكريّة، على غرار القرن السابع عشر حتّى القرن التّاسع عشر، بالطريقة التّقليديّة المباشرة بين الجيوش النّظاميّة للدّول. ولا عن طريق المناورات بالنّيران مع تطوّر استخدام الدبّابات والطائرات بين الأطراف المتنازعة. ولا بطريقة المحاربة وراء خطوط العدوّ أو مثلما عرّفها بعض المحلّلين بالحروب الاستباقية والوقائيّة، كالحرب على أفغانستان والعراق. بل تعدّ من الأشكال الجديدة للحروب بأساليب ووسائل جديدة. وقد استعمل هذا المصطلح سنة 1989 من قبل خبراء ومحلّلين بالولايات المتّحدة الأميركيّة، كما عرّف البروفيسور الأميركي (DR Max G. Manwaring) هذا النّوع الجديد من الحروب هي “الحرب بالإكراه لإفشال الدّولة، وزعزعة استقرارها، ثمّ فرض واقع جديد يراعي مصالح العدوّ”. وأصبحت جليّة ملامح هذا الجيل في سائر البلاد الإسلاميّة تحت عنوان ” الشرق الأوسط الكبير” الذي طرح في مؤتمر مجموعة الثمانية سنة 2004 بعد غزو العراق بسنة واحدة. وتونس جزء لا يتجزّأ منها ، بل كانت السبّاقة في تصدير الثورات إلى سائر البلدان من شمال إفريقيا إلى دول المشرق وروّعت الخليج أيضا .
و أهمّ ما يقتضيه تنفيذ “مشروع الشرق الأوسط الكبير” هو تغيير الأنظمة و المطالبة بالمزيد من الحريّات في التنظّم و التعدّد و الدّيمقراطيّة من خلال انتفاضات شعبيّة , و بشكل يتراءى للشعوب أنّها هي التي أنجزت عمليّة التغيير حتّى تتجاوز الحساسيّات نحو الأنظمة التي تأتي على ظهر الدبّابة الأميركيّة .
و من المعروف أنّ الشعارات التي رفعت في بداية “الرّبيع” كونها مطلبيّة صرفة , و كانت النغمة السياسيّة خافتة – كما أوردت منظّمة العفو الدوليّة – . و كان تحوّل الشعارات واضحا إلى سياسيّة بعد المشاركة الفعّالة لمنظّمات المجتمع المدني من نقابات و منظّمات حقوقيّة و محامين , فتحوّلت الشعارات إلى ديمقراطيّة , تعدّدية سياسيّة و حريّات عامّة , و هو المطلب التي تريده أميركا و هو إبراز أنّ المطالب تنسجم مع ما يريده النّاس و أنّ الإصلاحات هي بعينها ما تمّ طرحه في نصّ مشروع الشرق الأوسط الكبير .
و حتّى يكون الحكم و إدراك الواقع صحيحا و دقيقا , يجب ربط هذه الأحداث بما قبلها من استغلال طاقة الشباب و اندفاعهم لتدريبهم على الاحتجاجات السلميّة , على غرار تدريبات صربيا في نشر الاضطرابات و تهييج الجموع من النّاس. فقد أنفقت الحكومة الأميركيّة – حسب وكالة الأنباء الفرنسيّة – على مساعدة النشطاء و حماية أنفسهم من الاعتقالات و الملاحقات بقيمة خمسين مليون يورو قبل انطلاق شرارة “الرّبيع العربي” , حيث أكّد اللواء حسام سويلم الخبير المصري الاستراتيجي في حوار مع قناة “الحوار الفضائيّة” ما أفاده تقرير المعهد الدّولي لبحوث العولمة في واشنطن بأنّ وكالات المخابرات الأميركيّة و البنتاغون قاما بإعداد مخطّطات لتغيير الأنظمة الحاكمة بطريقة غير تقليديّة و تبدأ بتحريك مجموعات شبابيّة ترتبط بوسائل إلكترونيّة تمارس الاضطرابات و أساليب الكرّ و الفرّ و التحرّك مثل أسراب النّحل و ذلك بهدف خلق أنظمة حكم موالية للولايات المتّحدة الأميركيّة . وقد أفرزت المخطّطات مدوّنين وبرزوا كقادة للثورة عن طريق تكوينهم في حلقات ومنتديات ومراكز من قبل منظّمات اختصّت بالإعلام وتكنولوجيا الاتّصال كمنظّمة “موفمنتس” و “هاوكاست” واتّحاد حركة الشّباب، ولعلّ أبرز تكوين لهم كان في مؤتمر عقدته مؤسّسة “غوغل” سنة 2010 في مدينة “بيدابيست” تحت عنوان “إنترنيت الحريّة”. كما شاركوا في مؤتمرا نيويورك 2008 والمكسيك 2009 ولندن 2010 وأشرفت على هذه المؤتمرات منظّمة “فريدوم هاوس” المشهورة بارتباطها بوكالة الاستخبارات الأميركيّة.
و للتأكيد على ما نحن بصدده , يكفي الإشارة إلى الزيارات المتعاقبة إبّان تلك الأسابيع التي تشهد فيها البلاد تحرّكات احتجاجيّة كبرى , كزيارة مساعد وزيرة الخارجيّة الأميركيّة المكلّفة بشؤون الشرق الأوسط إلى تونس من 24 إلى 26 جانفي 2011 , و زيارة وفد “ماكين” و “ليبرمان” من الكونغرس الأميركي إلى تونس بتاريخ 19 فيفري 2011 . وبعد أربعة أيّام فقط من نفس الشهر قام وكيل وزارة الدّولة للشؤون السياسيّة “وليام بيرنز” زيارة إلى تونس لمدّة يوم واحد، ممّا يجعلنا نتساءل , لماذا كلّ هذه الزيارات من قبل شخصيّات أميركيّة عليا في ذلك الوقت الذي تشهد فيه البلاد حراكات في كل أرجائها ؟
لقد بات من الواضح جدّا , ومن دون أدنى شكّ أنّ الاحتجاجات التي حصلت في تونس لم تكن عفويّة , وإنما كانت بترتيب مسبق من خلال تحريك الاحتجاجات و توجيهها باستخدام الأساليب الحديثة كالأنترنيت وتوظيف العملاء في الشارع لقيادة الحراك ميدانيا , وهذه القرائن تنفي أن تكون الثورة قد انفجرت ذاتيا برغم الظروف الموضوعية المصاحبة لها ، لأنّ الثّورة الحقيقية في المجتمع لا تنطلق ذاتيا أو تصنع فوريا و إنّما تسبقها حركة وقيادة فكريّة تهيّء لها , ولذلك كان الربيع ربيعهم وليس ربيعنا ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

رأي/ غزة.. وكنت من الواهمين أيضا..

تونس – السفير – بقلم العيد القماطي كنت من الواهمين، في أنصار لهيب غزّة، أن يتص…