YOUR EXISTING AD GOES HERE

تونس – السفير
بقلم : هاني الشمري
hani chimmari
روى الإمام احمد عن أبي أمامة الباهلي عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : ( لتنقضن عرى الإسلام عروةٌ عروة فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي يليها ، وأولهن الحكم وآخرهن الصلاة). في هذا الحديث إخبار من النبي صلي الله عليه وسلم بانتقاض عرى الإسلام ، ثم بيان السبب في انتقاض هذه العرى وهو غياب نظام الحكم الإسلامي ، فقد قال، صلي الله عليه وسلم ( وأولهن الحكم وآخرهن الصلاة) ، فإذا انتقضت عروة الحكم انتقضت بقية العرى شيئا بعد شيء حتى يكون آخرهن الصلاة.
فالإحكام الشرعية من ناحية التطبيق والتنفيذ في المجتمع مرهونةٌ بوجود السلطة ، فهي العروة التي تحافظ على باقي العرى . جاء في أسس البلاغة للزمخشري : ( أن العُروة’ والعِرَوة’تستعار لما يوثق به ويُعّول عليه ).
فالسلطة في المفهوم الإسلامي : هي الكيان السياسي التنفيذي لتطبيق أحكام الإسلام وحمل رسالته إلي العالم ،فبدون وجود السلطة التي تقوم علي أساس العقيدة الإسلامية وإقامة ما انبثق عن هذه العقيدة من أحكام ، يغيض الإسلام كمبدأ ونظام للحياة من الوجود ، ويبقى مجرد طقوس روحية وصفات خلقية .
لذلك اعتبرت الشريعة الإسلامية ـ وجود السلطة ـ واجب عظيم لإقامة الدين ، بل اعتبرته الأساس الذي يقوم عليه الوجود العملي للإسلام في معترك الحياة .يقول شيخ الإسلام ابن تيمية , إن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين الابها….)
فالإمام ابن تيمية رحمه الله يعتبر وجود السلطة في المفهوم الإسلامي واجب عظيم ، بل اعتبره الواجب الأعظم ، لأنه يترتب علي عدم وجوده تضييعٍ وتعطيل للإسلام .
ويعبر الإمام ابو حامد الغزالي عن ضرورة وجود السلطة وأهميتها فيقول : ( إن السلطان ضروري في نظام الدين ونظام الدنيا ،ونظام الدنيا ضروري في نظام الدين ، ونظام الدين ضروري في الفوز بسعادة الآخرة، وهو مقصود الأنبياء قطعا، فكان وجوب الإمام من ضروريات الشرع الذي لاسبيل إلي تركه ، فاعلم ذلك) .
فالإمام ابوحامد الغزالي رحمه الله يعتبر وجود السلطة واجبا ضروريا لإقامة الإسلام ، وان الإسلام كنظام للحياة مرهون بوجود السلطة ،فالسلطة من ضروريات الشرع الذي السبيل إلي ترك إقامتها وذلك للفوز بسعادة الآخرة .
لذلك اتفقت كلمة العلماء والفقهاء علي وجوب إقامة السلطة ، يقول ابن حزم اتفق جميع أهل السنة وجميع المرجئة وجميع الشيعة ، وجميع الخوارج علي وجوب الإمامة وان الأمة واجب عليها الانقياد لإمام عادل …) ، ثم يبين السبب في اتفاق العلماء علي وجوب إقامتها ، فيقول : ( لِيقيم فيهم أحكام الله ويسوسهم بإحكام الشريعة التي أتي بها الرسول صلي الله عليه وسلم…). فان المقصود من وجوب إقامة الإمامة ـ أي السلطة ـ عند جميع العلماء ، هو لإقامة الدين وتمكين دين الله في الأرض.
ومتى تغيرت هذه الغاية وهذا القصد الذي فرض الله إقامة السلطة من أجلها ، كأن تبنت السلطة عقيدة كفر، كعقيدة (فصل الدين عن الحياة) أو عقيدة ( لااله والحياة مادة) ـ كما هي حال الأنظمة القائمة في عالمنا الإسلامي ـ يوجب الإسلام نزع الإمام سلطته وخلعه لان هذه السلطة ابتعدت عن القصد والغاية التي قامة من أجلها وهي إقامة الدين ، وأصبحت هذه السلطة خطرا وضررا يتهدد إلي طمس عقيدة الإسلام وتبديل أحكامه ، وهذا ماعبر عنه الإمام الماوردي بقوله : ( فليس دين زال سلطانه، الابدلت أحكامه ، وطمست أعلامه ) ، وقال ابوحامد الغزالي ( ولهذا قيل الدين أس والسطان وحارس ، ومالا أس له فمهدوم ، ومالا حارس فضائع)
جاء في صحيح مسلم ، عن أم سلمه زوج النبي صلى الله عليه وسلم ،أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال : ( سيكون أمراء فتعرفون وتنكرون ، فمن عرف بريء ، ومن أنكر سلم ، ولكن من رضي وتابع . قالوا : أفلا نقاتلهم ؟ قال : لا ماصلوا ) . يقول الإمام النووي في شرحه للحديث مايلي : ( ففيه انه لايجوز الخروج علي الخلفاء بمجرد الظلم والفسق مالم يغيروا شيئا من قواعد الإسلام ). فالإمام النووي يعتبر الحكم بغير ما أنزل الله هو تغيير لقواعد الإسلام ، فقوله صلى الله عليه وسلم : (ما صلوا ) هو كنايه عن إقامة الحكم الإسلامي ، وهذا ماعبرت عنه أحاديث أخرى ، فقد روى الإمام أحمد في مسنده ، قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ايها الناس ، اتقوا الله ، واسمعوا وأطيعوا ، وإن أمر عليكم عبد حبشي ما أقام فيكم كتاب الله ) ، وفي رواية ( ما قادكم بكتاب الله ) ، وفي رواية الترمذي ( ما أقام لكم كتاب الله ) . فالنبي صلى الله عليه وسلم اشترط السمع والطاعة للإمام وعدم الخروج عليه ومنازعته السلطة ، ما أقام الإسلام .
وروى الشيخان ، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال :بايعنا رسول الله على السمع والطاعة في العسرِ واليسر ، والمنشط والمكره ، وعلى أثرةٍ علينا وعلى إلا ننازع الأمر أهله ، ( إلا إن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان ) .قال الإمام النووي في شرحه للحديث : ( إن المراد بالكفر هنا المعاصي ومعنى عندكم من الله فيه برهان أي تعلمونه من دين الله تعالى ، ومعنى الحديث لا تنازعوا ولاة الأمور في ولاياتهم ولا تعترضوا عليهم الا أن تروا منهم منكراً محققاً تعلمونه من قواعد الإسلام ) .
وينقل القاضي عياض ، إجماع العلماء على منازعة الإمام سلطته ، وإقامة إمام عدل لإقامة الدين ، في حال تغيُر حاله الإمام ، أو في حال تغير نظام الحكم الإسلامي ، إلي نظام كفر . فيقول : ( أجمع العلماء على أن الامامه لا تنعقد لكافر وعلى أنه لو طرأ عليه كفر ـ وهي حالت تغير حال الامام ـ أو تغيير للشرع ـ أي في حالة تغيير نظام الحكم الاسلامي ـ أوبدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ، ونصب إمام عادل إن أمكن )
ويعتبر ابن كثير أن حاله تغيير الأنظمة والقوانين ، هي حاله من حالات تغيير قواعد الحكم الإسلامي ، وهي تستدعي منازعة الإمام سلطته حتى يتقيد بها أو يخلع ، فيقول : عن( جنكيز خان )حين وضع دستورًا للدولة أسماه ـ الياسق ـ كانت قوانينه وأنظمته مستمده من شرائع اليهودية ، والنصرانية ، وبعض الأحكام الإسلامية ، وضعت لهوى السلطة ومصلحتها ، فقال : ( فصارت في بنيه شرعا متبعاً يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فمن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلي حكم الله ورسوله ، فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير ) .
ويرى الإمام مالك أيضاً ، أن خروج السلطة عن أحكام الله والحكم بغيرها هو أمرٌ يستدعي منازعة الإمام سلطته ، وذلك في جوابٍ له على سؤال العمري العابد عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهم) ، حين سأل مالك ابن أنس قائلا : (يا أبا عبد الله أيسعنا التخلف عن قتال من خرج عن أحكام الله عزوجل وحكم بغيرها ؟ فقال مالك : الأمرُ في ذلك إلي الكثرة والقلة ) .
فالإمام مالك والعابد العمري ، يرون أن السلطة حين تخرج عن أحكام الله وتحكم بغيرها يجب منازعتها ، فالسائل يسأل هل من رخصة في التخلف عن قتال هذه السلطة التي خرجت عن أحكام الله ؟ فكان جواب الإمام مالك : أن الرخصة في حالة عدم الاستطاعة ، وهذا واضح بقول الإمام مالك حين قال : ( الأمر في ذلك إلي الكثرة والقلة ) .
وجاء في الفتاوى الكبرى لابن تيمية ، في تعليقٍ له على حديث جابر رضي الله عنه ، قال : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أمرنا أن نضرب بهذا ـ يعني السيف ـ من خرج عن هذا ـ يعني المصحف ـ). علق ابن تيمية رحمه الله على حديث جابر رضي الله عنه قائلاً ،( قال تعالى {لقد أرسلنا رسلنا وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز }، فبين سبحانه وتعالى انه أنزل الكتاب وأنزل العدل ، ومابه يعرف العدل، ليقوم الناس بالقسط ،وأنزل الحديد فمن خرج عن الكتاب والميزان قوتل بالحديد ، فالكتاب والعدل متلازمان والكتاب هو المبين للشرع ، فالشرع هو العدل والعدل هو الشرع ، ومن حكم بالعدل فقد حكم بالشرع ).فان ابن تيمية يرى أن السلطة حين تخرج في حكمها عن كتاب الله فان هذا الفعل يستوجب قتالها وهذا واضح بقوله ( فمن خرج عن الكتاب والميزان قوتل بالحديد )، ومن استدلاله بحديث جابر رضي الله عنه .
وبناءً على ماتقدم من أقوال العلماء والفقهاء يتضح ، أن تغيير قواعد نظام الحكم الإسلامي وإبدالها بقوانين تشريعية وضعية ، يعتبر من الكفر البواح ، الذي يستوجب معه عزل الإمام عن سلطته، ولو أدى ذلك إلي قتاله ، لان ذلك العمل يبعد السلطة عن المقصود الذي من أجله فرض الإسلام إقامتها ، وهو أن يكون الدين كله لله ، وأن تكون كلمته هي العليا ، وذلك لايكون إلا بتطبيق أحكام الإسلام في واقع الحياة وتسيير شؤون السلطة في سياستها الداخلية والخارجية وفق الشرع الحنيف ، فهو المقصود الأهم والعمدة العظمى من إقامة الخلافة ، قال تعالى : { الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر } .
فإذا كان معنى إقامة الخلافة ، هو إقامة الدين ، كان على الذين يعملون لإيجاد الإسلام في معترك الحياة ، أن ينصب جهدهم لإقامتها ويجعلون إقامة الخلافة هي الأولوية في دعوتهم لأن الخلافة ، هي العروة ’ العظمي التي تستوثق بها وتعول عليها باقي العرى من أحكام الإسلام في المحافظة على بقائها، فكما كان نقضها من قبل الكافر المستعمر أدى إلي غياب الإسلام كذلك في إقامتها سيكون إقامة الإسلام .
——————————————————-
1ـ رواه أحمد في مسنده (ج5 / ص251)
2ـ أسس البلاغة للزمخشري (ص418)
3ـ السياسة الشرعية لابن تيمية (ص161)
4ـ الاقتصاد في الإعتقاد للغزالي (ص199)
5ـ الفصل في الملل والأهواء والنحل (ج4ـ ص87)
6ـالفصل في الملل والأهواء والنحل ( ج4ـ ص87)
7ـ أدب الدنيا والدين لابو الحسن الماوردي ( ص137 ـ ص138)
8ـ الآداب الشرعية لابن مفلح الحنبلي ( ج1 ـ ص200)
9ـ شرح صحيح مسلم للنووي ( ج12ـ ص425)
10 ـ شرح صحيح مسلم للنووي ( ج12 ـص446)
11ـ رواه الامام أحمد في مسنده ( ج4 ـ ص70)باسناد صحيح
12ـ رواه احمد في مسنده (ج6ـ ص403)بإسناد صحيح ، وهو في مسلم برقم (1706)
13ـ رواه الترمذي ، حديث برقم ( 1706) وقال عنه حسن صحيح
14ـ البخاري باب الفتن ، حديث برقم ( 7055)، ومسلم ( ج12 ـ ص432)
15ـ شرح صحيح مسلم للنووي ( ج12 ـص432)
16ـ شرح صحيح مسلم للنووي ( ج12ـ ص433)
17ـ تفسير القرآن لإبن كثير ، سورة المائدة (آية :50)
18ـ الكافي لابن عبد البر (ج1 ـص463)
19ـ رواه ابن عساكر في موسوعة أطراف الحديث، واستشهد به ابن تيمية
انظر الفتاوى الكبرى (ج35ـ ص365)
20ـ سورة الحديد (آية : 26)
21ـ الفتاوى الكبرى لابن تيمية (ج35ـ ص356)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

ترسيم عمليات العقارات الخاضعة لنظام السفل والعلو بالسجل العقاري

تونس – السفير – بقلم محمد المبسوط بالرغم من أهميته لم يضع المشرع التونسي نصا خ…