YOUR EXISTING AD GOES HERE

تونس – السفير – ظافر بالطيبي

الحلف الثلاثي أو “ترويكا” المعارضة الجديدة، الذي يجمع كل من رئاسة الجمهورية واتحاد الشغل والجبهة الشعبيّة، هو حلف سياسي جديد تكوّن في تونس تدريجيا على مدى الأشهر القليلة الماضية من أجل إسقاط حكومة الشاهد والحدّ من نفوذ حركة النهضة التي أصبحت الكتلة الأولى في البرلمان بعد الانقسامات والتصدّعات العديدة التي شهدها ومازال يشهدها حزب نداء تونس بقيادة نجل الرئيس الطامح للسلطة حافظ قائد السبسي.

ما يجمع الحلف السياسي المعارض الجديد هو المصلحة لا غير، فالجامع بين الثلاثة هو معاداة حركة النهضة سياسيّا وإيديولوجيا ومصلحيّا والحكومة حزبيّا..

فرئاسة الجمهورية بقيادة الباجي قائد السبسي قد حسمت في مسألة توافقها مع النهضة بعد تمسك الأخيرة بالشاهد وحكومته لانتفاء دواعي إسقاطهما غير بعض الخلافات الشخصية بين الشاهد ونجل الرئيس الذي كان يعتقد أنه قادر على التحكم في دواليب الدولة باعتباره إبن الرئيس ونسي أننا مازلنا في “عهد الثورة” رغم رجوع جزء كبير من المنظومة القديمة ورموزها، فتونس مازالت النموذج الصاعد والتجربة الوحيدة الناجية والناجحة من “خماسي الربيع العربي” . كما ناصبت رئاسة الجمهورية العداء ليوسف الشاهد منذ أن أعلن رسميا في حوار على القناة الوطنية خلافه مع حافظ قائد السبسي إبن الرئيس واتهمه بأنه هو من دمّر حزب النداء وتسبب في إضعافه وتشتته..

أما المنظمة الشغلية وهي المنظمة الأقوى في تونس بين المنظمات الوطنية، تسيطر على القرار فيها مجموعات يسارية راديكالية ومجموعات قومية (قريبة من الجبهة الشعبية) وأخرى أقل منها قريبة من نداء تونس، سواء في السلطة المركزية أو الجهوية وهي تتعامل في عديد المواقف والملفات من منظور فكري إيديولوجي قبل أن يكون اجتماعيا نقابيّا، وعلى رأسها الملفات السياسيّة والتعاطي مع حركة النهضة وهي مجموعات لا تنفك تردد نفس شعارات الجبهة الشعبية المعادية لحركة النهضة “يا غنوشي يا سفاح يا قتّال الأرواح” أو المعادية لحركة النهضة والنداء معا من قبيل “النهضة والنداء الزوز عملاء” وغيرها من الشعارات الإيديولوجية التي ترفع في أغلب مظاهرات النقابات المنضوية تحت اتحاد الشغل.

أما الجبهة الشعبية وهي مجموعة من الأحزاب اليسارية والقومية فهي غير بعيده عن المنظمة الشغلية بل كان الكثير من أعضائها يتسترون بالعمل النقابي منذ عهد الرئيس المخلوع بن علي، وهي لا تخفي تطرفها ونزوعها إلى ما تسميه العنف الثوري في العديد من المحافل والمناسبات لا يتسع المجال لذكرها. وهي معادية لحكومة الشاهد وكل الحكومات السابقة وتحمل حقدا سياسيا وفكريا قديما ضد ما تسميه “الإسلام السياسي” وتقصد به حركة النهضة التي أصبحت الكتلة الأكبر في البرلمان والتي تساند حكومة الشاهد برلمانيا وحكوميا. وقد استعملت “الجبهة” عمليتي الاغتيال السياسي اللتين طالتا اثنين من قيادتهما شكري بلعيد ومحمد البراهمي، من أجل اتهام النهضة بالمسؤولية وإثارة جدل سياسي كبير على الساحة منذ 2013 إلى اليوم. ورغم أن الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي قد تعهد بالكشف عن ملابسات الاغتيالين منذ حملته الانتخابية 2014، إلا أنه تحالف بعد ذلك مع حركة النهضة وشكل معها توافقا وطنيا سقط مؤخرا بسبب ما يسميه البعض مساعي التوريث وتدخل عائلته في تسيير دواليب القصر الرئاسي.

وعلى ما يبدو من الأحداث، فقد أعاد القصر الرئاسي تحالفه مع الجبهة الشعبية بشكل غير علني بعد سقوط تحالفه مع حركة النهضة وأعاد من جديد ملف الاغتيال السياسي إلى الواجهة الإعلامية والسياسية ضد حركة النهضة كردة فعل ونوع من الانتقام منها بعد رفضها “العبث بالدولة” والاستجابة لرغبات الإبن “المدلل” الطامح لقصر أبيه الحالي. وعادت بذلك “الجبهة الشعبية” للمرة الثانية للعب دور “عصا البوليس” في يد الرئيس الباجي للانتقام من النهضة وتخويفها وإثارة المزيد من الأزمات والمشاكل السياسية والأمنية والاجتماعية بالتحالف مع اتحاد الشغل الذي يعمل هو الآخر على تحقيق حزمة من المطالب الاجتماعية ولا يخفي مواقفه السياسية ولا انحيازه لبعض الأحزاب والأفكار..

ويبدو أن ثمرة هذا التحالف الثلاثي الذي جمعته المصلحة الراهنة هو خلق المزيد من الأزمات الاجتماعية وما يتبعها من أزمات أمنية لها تأثير واضح على الاقتصاد وبالتالي توريط الحكومة وإحراج حزامها السياسي والبرلماني المتكون أساسا من كتلة حركة النهضة والائتلاف الوطني (النواب المستقيلين من النداء والملتحقين بشق يوسف الشاهد وحزبه المنتظر) وكتلة مشروع تونس لمحسن مرزوق.

وقد تمت فعلا بعض محاولات خلق أزمات خطيرة في البلاد على غرار الاحتجاجات ضد قانون المالية والتحالف مع مجموعة “السترات الحمراء” المتكونة أساسا من يساريين راديكاليين انتهازيين على علاقة بشق رئاسة الجمهورية، ومحاولة استغلال التحركات الاجتماعية في ولاية “القصرين” وتصديرها للعاصمة، إلى جانب تشجيع رئاسة الجمهورية اتحاد الشغل على تنفيذ الإضراب العام بعد أن خوّف منه علنا في لقاء جمعه قبل أسابيع برئيس الحكومة والأحزاب المساندة لها واتحاد الشغل، حيث لمح إلى ما يمكن أن يحدث إذا تم تنفيد الإضراب العام مسترجعا أحداث الإضراب العام لسنة 1978 والتي راح ضحيتها العديد من الأبرياء.

كما أن إصرر اتحاد الشغل اليوم على تنفيذ إضراب آخر عام للوظيفة العمومية والقطاع الخاص بيومين الشهر القادم ورفضه كل مقترحات الحكومة آخرها مقترحات أمس الثلاثاء باحتساب قيمة من الإعفاء الضريبي ضمن الزيادة التي يطلبها الاتحاد للوظيفة العمومية رغم إجماع كل خبراء الاقتصاد أن هذه الزيادة ستزيد في تعميق الأزمة الاقتصادية الراهنة، يدلل على أن المطالب الحقيقة لاتحاد الشغل لم تعد مرتبطة فقط بالزيادة في الأجور وبعض المطالب الاجتماعية بل تجاوزتها بكثير حيث بات الاتحاد اليوم شبيها بالجبهة الشعبية في مطالبه ولغته وحتى تحركاته على الميدان وهو ما ينبئ بمزيد من التوتر والاضطرابات ومزيد من التخلف والركود والانهيار الاقتصادي هو ما قد يضطّر الحكومة للقيام بخطوات مفاجئة من أجل احتواء الوضع قبل خروجه عن السيطرة.

ورغم هذا الحلف الثلاثي ضدّ الحكومة وحزامها السياسي الأقوى وهو حركة النهضة أساسا، فإن الأمور لن تكون كما يريد قصر قرطاج لأنّ الحكومة ورئيسها لا يمكن عزلهما بغير القانون واتباع الإجراءات الدستورية، ما يعني أنه قد تكون هناك سيناريوات أخرى مأمولة من هذه الأطراف أو تلك، لاسيما وأن الأيادي الخارجية والأموال الخليجية الإماراتية غير بعيدة عن بعض هذه الأطماع لاسيما إذا ما تعلق الأمر ببعض التعهدات من أجل إسقاط حركة “الإخوان المسلمين” في تونس.. ما يجعل الباب مفتوحا أمام عديد السيناريوات والاحتمالات على مدى الأشهر القليلة الماضية وعلى أمل أن تبقى تونس نموذجا في العالم العربي على نجاح تجربتها الديمقراطية الناشئة رغم كل الخلافات الداخلية والتدخلات الخارجية الخليجية السافرة..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

همزة: تونس مُفردة في محل جرّ.. بفعل فاعل مبني للمجهول..

تونس – السفير – ظافر بالطيبي يقول اللغويون أنّ الحال دائما ما يكون منصوبا، إلا…