حوارات - حوارات وطنية - فبراير 15, 2021

فتحي العيوني لـ”السفير”: قيس سعيد انقلب على الدستور و يرغب في ممارسة صلاحيات ملك..

YOUR EXISTING AD GOES HERE

تونس – السفير – أجرى الحوار: ظافر بالطيبي

قيس سعيد انقلب على الدستور و يرغب في ممارسة صلاحيات ملك

في القريب العاجل ستسمعون بإنجازات صندوق الزكاة وسنجعل من الكرم إمارة حقيقية

فخطاب قيس سعيد لا يبعث إلا الخوف و الشك والريبة واليأس والإحباط

منذ انتخابه رئيسا لبلدية الكرم، يثير الأستاذ فتحي العيوني جدلا واسعا في تونس بسبب تصريحاته وقراراته التي كان أبرزها “بعث صندوق الزكاة”، و مواقفه أيضا خاصة تجاه رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي وصفه في هذا الحوار بالمنقلب على الدستور و الناشر لخطاب التفرقة بين التونسيين، حتى أنه كان منطلقا لكتب ألفها العيوني تؤرخ لمرحلة تونس الجديدة وفق تعبيره.

هذه التفاصيل وأخرى تجدونها في حوار صحيفة “السفير ” مع رئيس بلدية الكرم الأستاذ فتحي العيوني.

لو تقدّم لنا لمحة عن كتابك الجديد “الدستور يريد”، ولماذا هذا العنوان بالذات؟

نعيش اليوم في تونس فترة تاريخية نحسد عليها تتميز بالحراك والتطور المستمر، أصبح المواطن فيها هو الذي يصنع التاريخ بعد أن كان على هامش هذا التاريخ. ومن هذا المنطلق، سعيت كرجل قانون ومسؤول إلى التأسيس لمفاهيم يكون لها أثر في تاريخ تونس.

أردت من خلال كتابي “الدستور يريد”، أن أدرس مدى سير تونس في الطريق الصحيح بعد 10 سنوات من الثورة ، كما أردت تقديم قراءة حول الموقع الصحيح الذي يجب أن يكون فيه المواطن والمسؤول والمثقف التونسي.

 للأسف وجدت أننا ندور اليوم في فلك منحرف عن المسار الطبيعي أي عن الدستور، فهناك أطراف متعددة وحتى رئيسية في السلطة لا تعير اهتماما لهذا الدستور، وتدعو بصريح العبارة إلى الانقلاب عليه. نحن نعتبر أن هذه الدعوات منحرفة و لا تؤدي المعنى خاصة عندما نتحدث عن شعار قامت عليه الثورة ” الشعب يريد”، و الذي ترجم في هذا الدستور

أردت إرجاع النخبة إلى البوصلة الحقيقية، فعوض الجدال العقيم والحوارات المتكررة كان يتوجب عليهم العودة إلى الدستور، ومن ذلك المنطلق نستطيع البناء. اليوم الدستور هو الذي يريد، و يجب أن ننكب على دراسة مفاهيمه ونطبقها في الواقع.

رغم أن هذا الدستور جاء نتيجة مطالب شعبية كما قلتم، فإن عدد من الأطراف تطالب بالتنقيح حتى أن رئيس الجمهورية قال إن الدستور أكله الحمار، كأنها دعوة إلى شطب هذا الدستور، ما رأيكم؟

هذه الأطراف لا تريد شطب الدستور فقط بل تريد شطب 3000 سنة حضارة من التاريخ والمؤسسات، فتونس لها ميزة على سائر الدول والشعوب هي أن مفهوم الدولة متجذّر فيها منذ قديم الزمان والعقلية الدستورية والقانونية متأصلة في الشعب التونسي، و لذلك نقول أن هذه الدعوات ليس لها معنى.

 لا أدري مالذي أحدث تغييرات في قيس سعيد خاصة وأنه أستاذ قانون دستوري، ربما هي اكراهات السلطة أو بريق الكرسي، أو ربما أيضا البطانة( حاشية الرئيس) التي من حوله، فنحن للأسف منذ الاستقلال ابتلينا ببطانة فاسدة، تلتفّ على الرئيس وتتحكم فيه.

مواقف قيس سعيد اليوم كلها خارج إطار الدستور، بل هي انتهاك صارخ لهذا الدستور، من ذلك أنه بنى حملته الانتخابية على شعار “الشعب يريد”، وتنافس على منصب الرئاسة مع مترشحين آخرين من بينهم إلياس الفخفاخ الذي لم يتحصل حتى على حد أدنى من الأصوات إلا أنه اختاره رئيسا للحكومة، و رئيس الحكومة له صلاحيات أكبر من الرئيس، و بالتالي لم يحترم إرادة الشعب وخالف الدستور.

موقف سعيد من الاحتجاجات أيضا كان متذبذبا و بعض الأحيان شجع على التمرد والعصيان، كما لم يساند نواب الشعب ضد العنف الذي مورس عليهم سواء داخل البرلمان أو خارجه، و بالتالي  سعيد أكبر معتدي على الدستور و هذه الفرقة التي يمارسها مخالفة لأحكام الفصل السادس من الدستور الذي حجّر دعوات التفرقة والكراهية و التمييز.

الرئيس وأحزاب أخرى من جرحى الانتخابات الأخيرة توجه سهامها إلى النظام السياسي أيضا؟

النظام السياسي الذي جاء به دستور 2014 من أفضل الأنظمة السياسية و ليس فيه أي إشكال(شبه برلماني). ففي الديمقراطيات الكبرى في العالم رئيس الجمهورية يكاد يكون شرفي رغم انتخابه من الشعب.  في الأخير هو فرد و يحاسب على تصوراته بينما الحكومة فريق كامل يعكس إرادة شعبية لحزب أو تنظيم أو مجموعة، أي أن التسيير اليومي لشؤون الشعب تمارسه الحكومة و ليس الرئيس.

رئيس الجمهورية يمثل السيادة الوطنية و الوحدة الوطنية، ويمثل تونس في الخارج، و لكن الذي جعل الصورة تصل إلى المواطنين بطريقة مشوهة هو سببين:

الأول قانوني، يتمثل في أن النظام الانتخابي مخالف للدستور، فهذا الأخير يتحدث عن ثورة والقطع مع منظومة الفساد والاستبداد، و القانون الانتخابي يفتح الباب لأن يشارك و يصبح في مواقع القرار حتى من هو ضد الثورة و فاسد، ثم الدستور يتحدث على النظام الجمهوري أي مشاركة الجمهور في الحكم وفي المقابل القانون الانتخابي فيه عتبة ضعيفة و نظام البقايا وبالتالي ما نجده في المشهد لا يعبّر عن إرادة الشعب بقدر ما يعتبر عن أقلية الأقلية من هذا الشعب.

و الجانب الثاني هو العقلية، للأسف الشديد في تونس عندما يتقلد مسؤول ما السلطة، وخاصة رئاسة الجمهورية، تصبح له رغبة في ممارسة سلطات ملك و ليس رئيس ، واليوم “قيس سعيد” غير راض على الصلاحيات التي أعطاه إياها الدستور و يريد الانقلاب عليه مما أحدث ارتباكا في عمل السلطة التنفيذية، و هذا أثر بصفة آلية على عقلية المواطن.

و لكن قيس سعيد دعا إلى نظام الحكم الشعبي، كيف ترون ذلك؟ 

 هو نظام الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي واللجان الشعبية في ليبيا، الحقيقة استغربت حين ذكرت الأزمة الليبية في فرنسا كان رأيه اللجوء إلى التجربة الأفغانية، يعني نحن اليوم في تونس لدينا سنوات ضوئية من التفوق يريدنا أن نعود إلى النظام الأفغاني و القبلي.

لدينا خيار سياسي واضح في تونس يجب على الرئيس تطبيقه دون فلسفة، هو يريد إلغاء كل شئ. اعتقد أن هذه الدعوات تعني العودة إلى ما قبل الدولة و الفوضى و سوف تؤدي بنا إلى الحالة الليبية من الحرب الأهلية و تقاتل القبائل، و كأن رئيس الجمهورية يعيش بالفعل في كوكب آخر.

هناك من يقارن بين حقبة “السبسي” و حقبة “سعيد”، وكأن هناك إكبار للأول على حساب الثاني؟

رئيس الجمهورية السابق الباجي قايد السبسي كان مدركا لمعاني الدولة والدستور والمؤسسات، ورغم كبر سنه و المدرسة المختلفة التي ينتمي إليها فإنه استوعب مطالب الثورة والمرحلة التاريخية وجدد نفسه بسرعة، وكان خطابه دائما مطمئن للداخل والخارج، ويبعث الأمل والثقة حتى في نفوس المختلفين معه.

اليوم للأسف هذا الخطاب فقدناه في تونس، فخطاب قيس سعيد لا يبعث إلا الخوف و الشك والريبة واليأس والإحباط ( صواريخ، منصات، غرف مظلمة)، في حين كان يتوجب عليه تجنب تصدير الصدمات إلى الشعب.

كثر الجدل و الحديث عن “إمارة الكرم”، كيف تردون عن ذلك؟

عبارة “إمارة” تطلق الآن على أفضل المقاطعات في العالم تطورا و نموا مثل إمارة موناكو و إمارة دبي، ونحن كذلك إذا أرادوا تسمية الكرم بـ”إمارة” ، فنحن سنكون على شاكلة هذه الإمارات المتفوقة حضاريا واجتماعيا و ثقافيا، و هذا ما نعمل عليه الآن .

خياراتنا كانت واضحة منذ البداية، وإذا قلنا على المستوى الوطني “الدستور يريد” فإننا نقول على المستوى المحلي” قانون الجماعات المحلية يريد”. كل ما فعلناه هو أننا طبقنا القانون، و بعثنا في هذا القانون الروح بعد أن كان ميّتا.

هناك نقطة مفصلية ذكرها الدستور لم تفعّل في الحياة السياسية وهي الديمقراطية التشاركية. الفقرة 4 من الدستور تقول “نظام ديمقراطي جمهوري تشاركي”، و لكن في الحياة السياسية لا نجد سوى الديمقراطية التوافقية التي ألغت الفاعلين الحقيقيين الممثلين لإرادة الشعب وأقرّت في المقابل توافقات مع أطراف مشاغبة بسبب الخوف منها لارتباطاتها الخارجية.

الديمقراطية التشاركية طبقت فقط في البلديات بتشريك المجتمع المدني و المواطنين، لذلك فإن المجلس البلدي في الكرم هو مجلس نموذجي على مستوى الانسجام و التناغم و التفاعل رغم بعض النشاز.

و أذكّر هنا بصندوق الزكاة، رغم الضجة التي أثارها خارجا فإنه لم يثر أي ضجة داخل المجلس البلدي بالكرم، و رغم وجود 6 أحزاب ممثلة فيه من الحكم والمعارضة لم يعارضه أي طرف لأنهم يعرفون أنه حل من الحلول لمعالجة مشاكل الناس.

هل هناك مشاريع أنجزت أو ستنجز كثمرة لهذا الصندوق ؟

في القريب العاجل ستسمعون بإنجازات هذا الصندوق، أوليتنا الآن إصلاح المدارس و المعاهد بالكرم، وكنا راسلنا وزارة التربية لكننا لم نجد التفاعل المطلوب. على المستوى البعيد، سوف يتم مساعدة الفئات الهشة عن طريق بعث سوق مركزية، جزء منه سيتكفل بمصاريفه صندوق الزكاة، وسيكون فضاء خاصا بالنساء الحرفيات، كما سنهيئ فضاء آخر خاص بذوي الاحتياجات الخصوصية.

علينا حسن الاستثمار في الدين عبر التشجيع على القيم الإسلامية السمحة كالتآخي والتآزر والمحبة مثله مثل الاستثمار في السياحة والفلاحة و الثقافة و غيره. الدين رافدا من روافد التنمية وقادر بمفرده على تحقيق مكاسب اقتصادية و اجتماعية، و لو تفعل المنظومة القيميّة في تونس كرافد من روافد التنمية يمكن أن نحقق عديد المكاسب تنفع المواطن التونسي.

ماهي الرسالة التي تتوجهون بها للنخبة السياسية والتونسيين أيضا؟

حركة التغيير في التاريخ هي مسار وليست محطات، ومحطة 14 جانفي لسنة 2011 مع سقوط نظام “بن علي” كانت فاتحة الثورة، فالذي يؤسس لمؤسسات دولة ديمقراطية وطنية كما نريد هو ذلك التدافع اليومي الاجتماعي والثقافي والحضاري والسياسي.

ولذلك نقول إن الدعوات الهدامة التي تريد اليوم العودة بنا إلى الخلف، ومعركة الاستئصال بين اليمين واليسار، و البحث في السراب و الحلول البديلة عن الدستور لا تخدم مصلحة البلاد.  اليوم ليس لنا خيار غير المحافظة على المؤسسات و الدستور و تفعيله على أرض الواقع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

رئيس تجمع الأشراف الليبي لـ”السفير”: مشروع ميثاق الشرف من أجل السلام سيكون لكل الليبيين ومن أجل أمتنا الليبية..

تونس – السفير • تونس منَّا ونحن منها .. السيد المهدي الشريف أمين عام تجمع أشراف ليبي…