تونس – السفير – محمد ضيف الله
استفحلت ظاهرة البراكاجات والسرقة والسلب بدرجة كبيرة وملفتة ومخيفة، في ولايات تونس الكبرى، فالمواطن اصبح يتحرك في مختلف شوارعها وأنهجها وأحيائها دون مأمن، أمام تكاثر عدد المنحرفين وتنوع طرق وأساليب إقدامهم على ارتكاب هذه الأفعال الإجرامية وفي مختلف الأوقات والأماكن.
فمن الأساليب المنتشرة بكثرة، السرقة في أماكن الازدحام خاصة في وسائل النقل، والتّحيّل في عمليات بيع بعض البضائع على أطراف الأسواق وخطف الهواتف والحقائب اليدوية للنساء، إلى جانب البراكاجات التي غالبا ما تقع في الأماكن المنزوية باستعمال القوّة والعنف بالأسلحة البيضاء.
هذه الأساليب في الاعتداء على المواطنين تتكرر يوميا، وتنتشر في مختلف مناطق العاصمة دون استثناء، مع كثرتها في أحياء عرفت بذلك منذ القدم لكثرة المنحرفين فيها. ظاهرة لا يسلم منها لا الكبير ولا الصغير ولا اللرجال ولا النساء، مثلا أول امس تعرض أستاذ باحدى معاهد أريانة إلى عملية براكاج، تم خلالها تعنيفه وافتكاك هاتفه الجوال وحافظة أوراقه بما فيه من وثائق واموال، إلى جانب الى اصابات في مختلف جسده بعد الاعتداء عليه بشفرة حلاقة.
كما تم صباح اليوم خطف “حقيبة يدوية” لسيدة من ميترو رقم 4 وايضا تم القبض على نشال نشل هاتف سيدة من وسط احدى الانهج وسط العاصمة. كما تعرض شاب الى الضرب بعد ان حاول انقاذ فتاة من عملية خطف هاتفها من قبل منحرفين اثنين على مستوى محطة حافلة بشارع خير الدين باشا بمونبلزير.
مشاهد وحوادث تتكرر يوميا، حيث يقع سلب هواتف وحقائب واشياء المواطن وأحيانا قد تتسبب في اصابات خفيفة وبليغة وحتى قتل للمعتدَى عليهم، فكم من ضحية راحت في عمليات براكاج كما حصل مع بعض سواق التاكسي وبعض حوادث مريعة كالتي حصلت في العوينة او البحيرة قبل سنوات قليلة. المؤسف انه ورغم انكشاف طرق النشل والخطف خاصة في وسائل النقل مازالت الناس في بهتة وتراخ وغفلة ففي الميترو والقطار خاصة الجميع يعلم اليوم ان النشال او السارق بمجرد ان يهم القطار بمغادرة المحطة، يبقى اثنان بالباب مفتوحا ويقوم ثالثهم بعملية الخطف ثم يقفزون معا، فيبقى صاحب “المخطوف” صامتا لا حول ولا قوة له.
لو بقينا نذكر ونعدد هذه الحوادث لما سكتنا عنها لأنها تتكرر وتتجدد في كل ساعة وحين، ولم تسلم منها الأغلبية الساحقة من الشعب، الذي أصبح يعيش هاجس خوف دائم بسبب من هذه الظاهرة، فلا يدري متى ينقض عليه منحرف يخطف حقيبته أو هاتفه من يده أو من على أذنه وهو بصدد إجراء مكالمة، وكم حدث مثل ذلك لعدد كبير من الناس بل وصلت جرأة المنحرفين الى الخطف حتى من السيارات وهي تتحرك ببطئ في طوابير او نقطة توقف.
فقد اكد لنا “عبد القادر” مواطن انه تعرض قبل ايام الى عملية خطف هاتف زوجته بشكل غريب حيث تم نشله من يدها وهي بداخل السيارة حين توقفنا في نقطة توقف ضوء احمر وفر باتجاه نهج محاذ؟ كما اكد عدد من المواطنين تحدثنا معهم حول الظاهر انها مستفحلة وباتت مخيفة ولم نعد نامن على انفسنا منها. الملف للانتباه أنّ أغلب هؤلاء المنحرفين هم من الشباب وتحديدا من الفئة العمرية ما بين 15 و 30 سنة، وفيهم من التلاميذ والباعة المتجولين والطلبة أيضا، وقد بدأت الظاهرة تغزو حتى بعض المنحرفات من الإناث.
أما الأسباب فتعود حسب. الاخصائيين الاجتماعيين بدرجة أولى إلى التشتت الأسري، وغياب الردع والعناية العائلية، إلى جانب غياب الدور التربوي في المدارس والاعداديات والمعاهد، والانقطاع المبكر عن الدراسة، وانتشار البطالة، وكثرة المتطلبات لدى هذه الفئة العمرية وحاجتهم للمصاريف الخاصة خاصة في ظل انتشار استعمال المخدرات والخمور لدى هذه الفئة. كما نؤكد ان التراخي في الردع وتشديد العقاب على مثل هذه الجرائم، إلى جانب سلبية الناس والصمت وعدم التدخل واغاثة بعضهم بعضا ساهم في انتشارها وتنوعها وتوسعها في مختلف الأماكن والأوقات، فالمنحرف اليوم ينفذ جريمته دون حياء أو خوف أو تحرج وبكل هدوء وثقة في النفس وفي وضح النهار.
ظاهرة مستفحلة ومثيرة للذعر للمواطن الذي لم يعد في مأمن على اشيائه ولا على حياته بسبب توسع عمليات النشل والسلب وفي مختلف الاوقات ليلا ونهارا، فهل سنرى ردعا و تحركا وإرادة حقيقة للتصدي وللحد من هذا الإجرام خاصة أمام هاجس الخوف الكبير الذي أصبح المواطن يعيشه في مختلف الأماكن وفي كل تحركاته، وحتى في بيته لم يعد آمنا على نفسه وعلى عائلته وعلى ممتلكاته، فتجد المنازل مسيّجة بأسوار وأسلاك وبقطع البلّور المهشمة، والنوافذ والأبواب محميّة وموصدة بالحديد…؟
البركاج والنشل هي فعلا ظاهرة خطيرة ومشوهة للمجتمع التونسي وعلى الدولة ان تضع لها حدّا اليوم قبل الغد وان تجد حلولا مستعجلة واخرى على مدى طويل مع ضرورة تشديد العقاب وقسوته حتى يرتدع المنحرفون.
محمد ضيف الله
القيروان: باحث موريطاني يفوز في المسابقة العربية والإفريقية لأفضل مقال علمي لسنة 2024
تونس – السفير – القيروان – منصف كريمي خلال فعاليات ندوة علمية بعنوانR…