تونس – السفير
من المعلوم أن البلاد التونسية كغيرها من باقي البلاد الاسلامية لا تقل ثراء وغنى ,فباطن أرضها زاخرة متنوعة بمختلف الثروات من نفط وغاز وفسفاط وملح ….وظاهرها معطاء من زيتون ونخيل وأعناب وخيرات فاض بها أكثر من 1300كلم من السواحل البحرية.
ومع ذلك فان الشعب لا يتمتع بهذه الثروات اذ هي تحت هيمنة الشركات الأجنبية الكبرى التابعة للغرب المستعمر , وهي عرضة للنهب والاستغلال الفاحش المقنن باتفاقيات استعمارية يعود أغلبها لأربعينات القرن الماضي..
أما وظيفة هؤلاء الحكام فهي فقط حماية مصالح الدول الاستعمارية وعلى رأسها أميركا وليس رعاية شؤون الناس.
وبعد خديعة الربيع العربي التي انطلقت من تونس منذ 14جانفي2011 اتسعت دائرة حماة مصالح الغرب المستعمر لتتجاوز الحكام الى المعارضة وبعض منظمات “المجتمع المدني” خاصة تلك التي تسمى”الرباعي الراعي للحوار”. فهذه الجهات من حكام ومعارضة ورباعي راعي للحوار جميعا متآمرة على أهلنا في تونس لصالح مشروع الشرق الأوسط الكبير المتعلق بالاستعمار ,تارة باسم”الانتقال الديمقراطي” وأخرى تحت شعار”الحرب على الارهاب” وتارة برفع عنوان “مكافحة الجريمة المنظمة”:وكلها عناوين ترفعها الولايات المتحدة الأمريكية لتكون ذريعة مقنعة للاستعمار وبسط النفوذ.
فلا فرق بين هؤلاء المشاركين في خديعة الربيع العربي تحت عنوان “انجاح الانتقال الديمقراطي”فهم سواء في الخديعة من الحكومة الأولى مع محمد الغنوشي وفؤاد المبزع والباجي قايد السبسي ,الى من جاء بعدهم من حكومات الترويكا الأولى والثانية, مرورا بحكومة المهدي جمعة ,وما نشاهده اليوم في المشهد السياسي من توافق يجمع كل من الحكومة والمعارضة والرباعي الراعي للحوار ,وحتى تلك المعارضة التي جمعتها المصالح الآنية في “الجبهة الشعبية”,فقانون المالية الذي أثقل ومازال كاهل الشعب والذي ينتقده جماعة الجبهة صباحا مساء في الاعلام المرئي والمسموع والمكتوب من بين الموقعين عليه المنجي الرحوي وهو من فيادات هذه المعارضة.
أما دور الاتحاد التونسي للشغل فهو كباقي أطراف الرباعي الراعي للحوار متآمر ومتواطئ تآمرا حقيقيا وظاهرا للناس من خلال ما تم من اتفاقيات ومصادقات مع المؤسسات الاستعمارية الكبرى من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي , فهو طرف رئيسي في اغراق البلاد بالقروض ووضع ثرواتها ومقدراتها تحت تصرف مختلف الجهات الاستعمارية.بل ان زعماء الاتحاد وفي مخالفة صريحة للبيان التأسيسي له يخرج عن اطاره كمنظمة نقابية ليصبح حزبا سياسيا يلبس رداءة العمل النقابي ويتخذ القرارات المهمة مثله مثل الحكومة فيما يخص العمل السياسي , وزعماؤه يتجاوزون كل الخطوط الحمراء فيعقدون اللقاءات والاتفاقيات مباشرة مع سفراء الدول الاستعمارية كجلوسهم مع السفير الأميركي خاصة أو السفير الفرنسي والألماني…
ويعتبر تدخل الاتحاد التونسي للشغل في الأحداث الأخيرة في مدن ولايات الجنوب الشرقي بالذهيبة وبن قردان وتطاوين عملا مقصودا ومبرمجا مسبقا بل وبتواطئ مع الحكومة والمعارضة شركاء خديعة الربيع العربي..اذ أن الاتحاد كان من أبرز الشهود منذ أشهر على العديد من الاجراءات التي تم اتخاذها سواء داخل المجلس التأسيسي أو في “الحوار الوطني” ومنها الاجراءات المتعلقة بالضرائب الجديدة ومنها ضريبة30دينار وكذلك ما يتعلق بالتجارة الموازية, وقد سبق لقوات الأمن أن تدخلت بقوة وشدة في كل من صفاقس وتونس العاصمة وخاصة في منطقة “باب الجزيرة” ومنطقة”برشلونة” ووقع الاعتداء على التجار وافتكاك بضائعهم المقدرة قيمتها بمئات الآلاف من الدنانير ,ومع ذلك لم يخرج صوت لا ضد الاجراءات التي وقع اتخاذها ولا تندد بهذه الاعتداءات..ولكن بمجرد احتجاج أهلنا في الجنوب على فضاعة الظلم المسلط عليهم الا وأسرع الاتحاد لتبني هذه الاحتجاجات وقيادتها.
وبالعودة لما حدث في الذهيبة يظهر جليا تعمد الاستفزاز وظلم الناس ابتداء مع ماقامت به المؤسسة الأمنية من ديوانة وحرس وشرطة سواء بمنع الناس من العبور أو افتكاك سلعهم وحتى استعمال القوة المفرطة ضدهم ,ثم عمليات اطلاق النار وما نتج عنه من ضحايا بين قتيل وجريح,وهو استعمال للقوة لا مبرر له .فما حدث لا تفسير له الا تعمد اثارة الفوضى والبلبلة واثارة غضب الناس ونقمتهم فيتلقفهم الاتحاد و”ممثلوا المجتمع المدني” من أجل توظيف هذا الغضب والفوضى بالاتجاه الذي يخدم مشروع الاستعمار وليس مصالح الناس, وما الحديث عن بعض الاجراءات لصالح الناس الا ذرا للرماد على العيون لأنهم أقل شأنا من أن ينفذوا وعودهم.
فالتصعيد الأخير تحت قيادة الاتحاد والمعارضة وبتواطئ كامل مع الحكام حكومة ورئاسة في هذا التوقيت بالذات ليس بريئا اذ هو جاء بعد :
*ارتفاع وتيرة النزاع والاقتتال في الجهة الغربية من ليبيا بين قوات فجر ليبيا وقوات خليفة حفتر ,ومعلوما أن المعابر تحت ادارة فجر ليبيا وهناك الآن اتجاه للاعتراف بمختلف القوى المتنازعة وهو ما يعني تجزئة ليبيا وتقسيمها بين هذه الأطراف, وهو احد أهداف أميركا في خديعة الربيع العربي
*تصاعد العديد من الدعوات بضرورة الاعتراف بحكومة الحاسي كما مع حكومة عبد الله الثني وهو تحول خطير باتجاه الاعتراف الدولي بالتقسيم
*تزامن هذه الأحداث مع تحول الحوار داخل ليبيا ليصبح تحت اشراف الأمم المتحدة وهو مطلب الحكومة السابقة منذ عهد علي زيدان عندما تم رفض مبادرة راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة,وذلك من أجل اعطاء شرعية دولية للتقسيم.
*تزامن زيارة الباجي قايد السبسي الأخيرة للقاء عبد العزيز بوتفليقة الرئيس الجزائري مع زيارة الجنرال الأميركي “رودريغاز”قائد القوات الأمريكية في افريقيا”افريكوم”والحديث عن ملف الارهاب وضرورة المشاركة من الجميع لمكافحته ,ومن المعلوم أن الارهاب شعار ترفعه أميركا من أجل الاستعمار.
أما عن علاقة الأحداث الجارية في الجنوب الشرقي من البلاد التونسية بما يجري في ليبيا ,فانه مما أصبح معلوما ومكشوفا أن البلاد الاسلامية كلها تتعرض لهجمة شرسة من الغرب المستعمر تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية ,وهي حرب ضروس يخوضها المستعمر ضدنا تحت عنوان مضلل خطير اسمه”الربيع العربي”,الذي هو تنفيذ فعلي لمشروع الشرق الأوسط الكبير قصد مزيد تقسيم البلاد الاسلامية وتمزيقها الى مستعمرات صغيرة باسم”الفدرالية”أو غيرها وانطلق ذلك فعليا في كل من العراق وسوريا واليمن والآن مصر وليبيا والقائمة مازالت تطول.كما يقوم المشروع على ضرب وتحطيم جيوش المنطقة لينعدم خطرها ويقتصر دورها على حماية العملاء ومشروع “العلمانية”كأساس للأنظمة القائمة.
وليبيا معنية كثيرا بما تخطط له الولايات المتحدة الأمريكية,فتقسيمها وتفتيتها على أسس عرقية وطائفية يبقيها تحت هيمنتها بصورة دائمة فيسهل الاستعمار والتحكم بتوجهات الشعوب.لذلك تعمل أميركا على تقسيم ليبيا تحت عنوان”الفدرالية”لتصبح بذلك مجموعة أقاليم متنافرة .
ومن هذه الأقاليم المزمع انشاؤها “اقليم ورغمة,وهو الذي حاولت فرنسا السير فيه منذ سنة1881, ويجمع اقليم ورغمة أجزاء من الحدود الغربية الليبية وأخرى من الحدود الشرقية التونسية وهي على التوالي :مدينة غدامس ومدينة زوارة وجبل نفوسة من ليبيا ورمادة ومدنين وجرجيس وحتى جربة من تونس.
وفي الجانب الليبي عمليا على الأرض يوجد حكومتان وبرلمنان واحد باقليم طرابلس وهو حكومة الحاسي ,والآخر بطبرق وهو حكومة عبد الله الثني والصراع على أشده بين مختلف القوى المتنازعة.
أما على الجانب التونسي فيقع استغلال تعمد انعدام التنمية و تقصد غياب الدولة لتوظف الأحداث المتولدة عن التخلي عن رعاية شؤون الناس من الدولة عمدا وقصدا بما يرسخ العداء والكراهية والتنافر باسم الجهويات والأعراق , ويستمر هذا التوظيف بتواطئ خطير ومفضوح بين ثلاثي هم الحكام والمعارضة والاتحاد , ويجري كل ذلك متزامنا مع تصاعد بعض الدعوات التي يقودها جمع من المأجورين والعملاء يعملون تحت أقنعة الجمعيات والمنظمات والأحزاب ,ومضمونها هو “الدعوة لاحياء الهوية الأمازيغية” و”الثقافة الأمازيغية” وما في ذلك من تقسيم للناس وتفرقة بينهم وهو ما حرمه الله سبحانه وتعالى .
ولذلك: فان من حق الناس الثورة على هذه الأنظمة الفاسدة وهؤلاء الحكام العملاء الخونة ,بل هو واجب عليهم وليس فقط على أهلنا في الجنوب,والمسلمون اليوم جميعا وليس في تونس أو في ليبيا وحدهم مأمورون شرعا بانهاء هذه المهزلة التي أصابتهم وافشال مخططات الاستعمار وازالة هؤلاء الحكام العملاء حتى يعودوا لما يجب أن يكونوا عليه”كنتم خير أمة أخرجت للناس”.
ولكن لا يجب أن يكون تحرك الناس تحت رعاية هذه المنظمات وعلى رأسها الاتحاد ,لأنها متواطئة في مشروع الاستعمار مشروع “الشرق الأوسط الكبير”
فالثورة يصنعها الأحرار وليس المتآمرون والمأجورون ,بل لم تصنع الثورات قط بهؤلاء..
رأي/ غزة.. وكنت من الواهمين أيضا..
تونس – السفير – بقلم العيد القماطي كنت من الواهمين، في أنصار لهيب غزّة، أن يتص…