YOUR EXISTING AD GOES HERE

لم أكن أحمل عن النائب في مجلس نواب الشعب السيد صلاح البرقاوي  الا انطباعات طيبة يوم كان زميلا قديما -في القضاء- وربما صديقا في فترات  بعيدة،غير أن اندهاشي قبل الثورة من اصراره  الشديد على ترك القضاء الى المحاماة كان بقدر استغرابي بعد الثورة من اقتحامه لا فقط غمار السياسة  بل من بوابة الاحزاب…الكبيرة.
ورغم أني لم أكن أعلم منذ أكثر من عقدين من الزمن الشيء الكثيرعن مسيرته و تطور أفكاره – بعد أن افترقت بيننا السبل- الا أني لا زلت أذكر ثقافته العالية وحساسيته المفرطة وبعده عن الادعاء مع استقلالية  فكرية ومهنية بارزة وايمان قوي بدور القضاء.
وحتى لا أنسى المقصود من الحديث لفت نظري منذ أكثر من أسبوع اعلان صديقنا النائب – سواء في الصحافة او حتى في صفحته الخاصة بالشبكة – عن تقديمه يوم 1 جويلية الجاري مطلبا في توجيه سؤال شفاهي الى السيدين وزيري الداخلية والعدل – تم تضمينه بمكتب الضبط بمجلس نواب الشعب – وذلك عملا بأحكام الفصل 146 من النظام الداخلي للمجلس و “حول ظروف وملابسات  قضية الارهابي الداعشي أنور بيوض و الارهابية المرافقة له والمعاملة الاستثنائية التي لقيها من السلطة التونسية مع الاستفسار عن الاستراتيجية التي وضعتها وزارتا العدل و الداخلية للتعامل مع عموم الارهابيين العائدين من بؤر التوتر…”.
وان كان السؤال – حسبما يلاحظ – متعلقا بشقين فان أول ما يظهر لناظريك  – كما يقول الفرنسي – هوسؤال النائب للسيدين وزيري الداخلية و العدل “حول ظروف وملابسات  قضية الارهابي الداعشي أنور بيوض و الارهابية المرافقة له”.وذلك على اعتبار أن هذا الشق لايهم اختصاصات وزير الداخلية أو العدل طالما كان ثابتا “ان قاضي التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الارهاب قد أصدر في حق المتهمين بالانتماء إلى تنظيم “داعش” الارهابي، محمد أنور بيوض ومرافقته، بطاقتي إيداع بالسجن بعد أن تم استنطاقهما ظهر يوم الاثنين 4 جويلية الفارط ، وفق ما أفاد به الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية بتونس والقطب القضائي لمكافحة الارهاب”، وانه “تم إيداع المتهم محمد أنور بيوض، حسب ذات المصدر، بسجن المرناقية فيما تم إيداع مرافقته بسجن منوبة للنساء”(وكالة تونس افريقيا للانباء-4 جويلية 2016).
وبناء على ذلك فان السؤال – من جانبنا – لصديقنا النائب يجد تبريره في هذا السياق بالذات : ماذا يمكن ان يفيدك وزيرا الداخلية و العدل حول ظروف وملابسات قضية المتهمين محمد انور بيوض ومرافقته  (هكذا تدعى دائما!) خصوصا وقد تعهد بالقضية وكامل أوراقها قاضي التحقيق المختص وليس لوزير الداخلية ولا لوزير العدل من حيث المبدأ أي اختصاص في هذا الشأن ؟!
قد يقال ان وزير الداخلية هو المشرف على أعضاء الضابطة العدلية ووزير العدل هو رئيس النيابة العمومية ولها أدوار في جميع القضايا وخصوصا في الاجراءات الجزائية!
لكن لا شك أنك تدرك ان تلك هي المداخل – وبمثابة الأبواب – للحديث عن “سيادة المجلس” و “رقابة البرلمان “ليسهل التدخل في أعمال القضاء عن طريق استخدام وسائل الرقابة السياسية!
لك أن تتمسك – حسبما جاء بمراسلتك الموجهة الى رئيس مجلس نواب الشعب – بأحكام الفصل 146 من النظام الداخلي لمجلسكم الموقر وما تقتضيه من أن “لكل عضو أن يتقدم خلال جلسة عامة باسئلة شفاهية الى أعضاء الحكومة على أن يوجه اعلاما كتابيا الى رئيس المجلس يبين فيه موضوع أسئلته وعضو الحكومة المعني بالاجابة… ” وهو ما ينص عليه ايضا الفصل 96 من الدستور
ولنا – في مقابل ذلك – أن نتمسك “بغابة من المبادئ” و “الأعراف الراسخة”و “النصوص الدستورية:
1- فان كان لك الحق كله في الاستناد الى وسائل الرقابة على عمل الحكومة وكشف ما تريد من مخالفاتها وحتى محاسبتها فليس لك – طبقا للاعراف البرلمانية المستقرة – أن تطرح السؤال حول الاجراءات و الاحكام القضائية وأعمال المحاكم وذلك احتراما للمبادئ الخاصة باستقلال القضاء و الفصل بين السلطات .
2- كما ان علانية التحقيق تقتصر على أطراف القضية في حين أنه بيقى سريا بالنسبة الى الآخرين ،ولا يمكن ان يخفى عليك ان أعمال التحقيق هي جزء من اختصاص السلطة القضائية فيكون الافصاح عنها انتهاكا لسريتها و السؤال بشانها تدخلا في أعمال جهة قضائية أوكل اليها الدستور و القانون مهمة التحقيق. واضافة لذلك فان الاستفسار عن وقائع القضايا و ملابساتها من شأنه التاثير على سير التحقيق.
3- كما أنه ليس لنا أن ننسى “مبدأ الفصل بين السلطات والتوازن بينها” – وهو مانصت عليه توطئة الدستور – فضلا عن جوهر المبادئ التي اقتضت أن “القضاء سلطة مستقلة… وأن القاضي مستقل لا سلطان عليه في قضائه لغير القانون” (الفصل 102 من الدستور) وأنه “يحجر كل تدخل في سير القضاء “(الفصل 109 من الدستور).
ألا يجدر بعد هذا أن نرى في سؤال صديقنا النائب حول” ظروف وملابسات القضية” تدخلا  في قضية لا تزال منظورة امام القضاء وهل يمكن أن يتمسك بأن السؤال يتعلق بأعمال النيابة العمومية طالما كانت النيابة ” جزءا من القضاء العدلي، وتشملها الضمانات المكفولة له بالدستور”(الفصل 115). ؟!
ألا يجدر بوزير العدل وهو زميلي ايضا – و حتى بوزير الداخلية – ان يجيب على ذلك بانه “لما كانت القضية التي يدور حولها سؤال النائب المحترم لا تزال محل تحقيق امام القطب القضائي لمكافحة الارهاب ،فانه يترتب على ذلك عدم جواز توجيه أسئلة شفاهية حولها “؟!
 
احمد الرحموني  القاضي ورئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

رأي/ غزة.. وكنت من الواهمين أيضا..

تونس – السفير – بقلم العيد القماطي كنت من الواهمين، في أنصار لهيب غزّة، أن يتص…