YOUR EXISTING AD GOES HERE

تونس – السفير – ظافر بالطيبي

مازالت الضجّة التي أحدثتها بعض اللوبيات الإعلامية والسياسية حول المدارس القرآنية في تونس متواصلة، بعد تسجيل إحدى المخالفات في مدرسة “الرقاب” والتي تقع مثيلاتها يوميا في الروضات الرسمية والمدارس العمومية والخاصة، ولم تتحرك ضدّها بعض البرامج “الاستقصائيّة” الموجهة، التي تعمل فقط وفق محاضر أمنية مسبقة بالتنسيق مع بعض الأعوان والإطارات والنقابات وغيرها..

ورغم كل “نواقيس الخطر” الموهوم والمزعوم، التي تم دقّها في وسائل إعلامية للتأثير على الرأي العام والإدارة التونسية، ورغم الكم الهائل من التهم والإشاعات التي تبيّن بعد ذلك أنها “غير بريئة” ولها خلفيات إيديولوجيّة وسياسيّة، لا يسعنا إلاّ أن نمدّ يد العون ونتفهم “مخاوف” جزء كبير من نخبتنا العلمانية اليساريّة، ونبيّن للناس معهم أهم المخاوف ونقاط الخطر والتهديد التي تمثلها مثل هذه المدارس القرآنية في بيئتنا ومجتمعنا..

فخطورة المدارس القرآنية، تكمن بالأساس في تخريج أطفال حافظين لكتاب الله، بما فيه من آيات وكلمات وحروف وسور، وما فيه من قصص تاريخيّة وأخبار ووصف للأمم السابقة وأحوال الأمم اللاحقة، وما فيه من فصاحة لغوية ومعجزات لسانية وعلمية وغيرها، مما قد يهدد المجتمع النموذج الذي تسعى بعض الدول الغربية لفرضه في بلادنا والذي يقوم أساسا على أفراد محدودي الذكاء والتفكير والقدرات والثقافات..

تكمن الخطورة أيضا في المنظومة القيمية التي قد ترسخ في شخصية الطفل خاصة، من خريجي المدارس القرآنية، حيث يتعلم منذ بداية حياته ونعومة أظفاره، أنّ السرقة والرشوة والفساد حرام دينيّا قبل أن تكون ممنوعة قانونيّا، وهو ما يهدد مكانة الكثير من “النخب” القائمة على شؤون البلاد والتي استثرت من السرقة والغش والرشوة والفساد..

ويتعلّم أيضا داخل تلك المدارس “الداعشيّة” -كما وصفتها بعض وسائل الإعلام وأشباه المثقفين والمحللين- أنّ الخمر والميسر والأزلام والأنصاب والزنا وغيرها من المفسدات كالمخدرات اليوم التي أغرقت بلادنا بمدارسها ومؤسساتها، حرام ومضرّة ومفسدة كبرى. فيهدد بذلك تجار هذه الآفات خاصة من بائعي الخمور الذين نعرف مكانتهم اليوم في البلاد، وتجّار المخدرات وأصحاب أوكار الدعارة والفساد..

ولعل أحد هؤلاء الأطفال بعد قراءته وتعلمه لكتاب القرآن الكريم، يتجرأ ويطرح سؤالا “لماذا تدير دولة مسلمة كتونس بلاد الزيتونة والقيروان الماخورات والزنا بينما هو محرّم شرعا وعقلا ودينا وعرفا”؟ ولعلّ معلّمه يتجاوز في تفكيره ويجيبه “أي بني لا تلومنّ دولتك فذلك شرط مفروض عليها من الدولة الاستعمارية التي مازالت إلى يومنا هذا تسيطر على عقول نخب البلاد وحكامها قبل ثروات أرضها”؟ فتخرّج لنا حينها مدارس القرآن “إرهابيين” ينتقدون الدولة والحكومة والنخب السياسيّة ويطالبون بحقوقهم ومراجعة اتفاقيات البلاد مع فرنسا كاتفاقية الملح المنهوب منذ عقود وبشروط أقل ما يقال عنها أنها مهينة مشينة..

تكمن خطورة المدارس القرآنية أيضا، في أنها تخرّج أجيالا من الراسخين في العلوم وفي القيم وفي حب الوطن وأهله، يصعب على غيرهم من ذوي “المآرب الأخرى” اللعب بعقولهم وجرّهم نحو سلوكات التطرف والإرهاب والإفساد. فقد علّمهم القرآن اللّين والحكمة وعدم إكراه الآخرين في دينهم، في الوقت الذي يحاول فيه بعض العلمانيين المتطرفين من مواقعهم المسؤولة المختلفة اليوم، فرض نمطهم المجتمعي في العيش، على الملتزمين والمتديّنين من رواد المدارس القرآنية أو الزيتونية، وكلنا نتذكر كل تلك العبارات العنصرية التي توجه بها إعلاميون وسياسيون نحو أولياء أطفال مدرسة الرقاب القرآنية ونعتهم بالجهل وعبارات أخرى لا يليق ذكرها بمجرد أنهم سجّلوا أبناءهم في مدرسة قرآنية ليحفظوا كتاب الله وقيمه المعجزة واللامتناهية.. 

تكمن خطورة المدارس القرآنية في أنّها تخرّج مجتمعا واعيا يؤمن بقيمة العمل وعدم التواكل على الغير وإن كانت الدولة، فلا يسدّون الطرقات للمطالبة بالتشغيل بل يسعون بأنفسهم للعمل والشغل، ولا يقطعون الطرق على الناس لسلبهم ما يملكون، ولا يركبون البحر نحو المجهول لتحسين مستوى عيشهم بل يرضون بما قسم لهم في وطنهم، فيكونون أبناء صالحين ومواطنين صالحين فينتجون وينفعون غيرهم قبل أنفسهم..

وتكمن الخطورة أيضا، في أنّ المدارس القرآنية تعلّم روادها من الكبار والصغار حسن الخلق وحرمة الكذب ووجوب التثبت من الأخبار قبل ترديدها ، فتهدد بذلك عمل الكثيرين من رواد وسائل الإعلام اليوم ممّن كان ومازال “خبزهم” اليومي الكذب والتشويه والتزوير وبث الإشاعات وخطابات الحقد والكراهية والعنصرية ضد المخالفين، في الوقت الذي يتهمون فيه كل من ينتقدهم بالتكفير ولو كان بمجرد النقد العرضي البريء..

والمخاطر المشابهة في الغرض كثيرة وعديدة.. 

لذلك نتفهم كل هذا الخوف والفزع من بعض النخب العلمانية  -للأسف-  التي تهدد وجودها واستمرارها ومراكزها، كل تلك المخاطر التي عددناها سابقا.. فأن يكون المجتمع التونسي مجتمعا قرآنيا خالصا لا شكّ أنه خطر عظيم على هؤلاء وعلى من يقف خلفهم من القوى الاستعمارية التي احتلّت ومازالت تحتّل أرضنا وعقولنا وإعلامنا وإدارتنا، ولابد من وعي كبير كي تصبح الوطنية الصرفة في بلادنا قيمة حقيقيّة لا مجرّد شعارات حزبيّة وانتخابية ممّن لا يملكون منها ولو ذرة رمل صغيرة..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

همزة: تونس مُفردة في محل جرّ.. بفعل فاعل مبني للمجهول..

تونس – السفير – ظافر بالطيبي يقول اللغويون أنّ الحال دائما ما يكون منصوبا، إلا…