YOUR EXISTING AD GOES HERE

تونس – الافتتاحية – ظافر بالطيبي

لاشكّ أنّ ما يحدث في ليبيا اليوم على قدر كبير من الفظاعة والتعقيد. فالأمر يتجاوز كونه مجرد خلاف بين سلطتين أو طرفي قوّة في البلاد بل ويتجاوز الحرب الأهلية والانقسام الداخلي إلى صراع بين عقليتين وقطبين وفكرتين أساسيتين في الحكم، هما الحكم المدني وما يصبو إليه من إقامة دولة مدنية عادلة وديمقراطية وحكم عسكري شمولي وما يصبو إليه من إقامة دولة عسكريّة دكتاتورية لا عدل فيها ولا ديمقراطية.

لا يلبث المتتبع للأحداث اليومية في الشقيقة ليبيا كثيرا حتى يفهم جوهر الصراع والحرب الدائرة بين أبناء البلد بتحريض وتدخل خارجي سافر. ففي الغرب مشروع دولة ذات مؤسسات ومبادئ مدنية معترف بها دوليا تحترم حقوق الإنسان والحقوق المدنية لمتساكنيه، يقوم على هذا المشروع رجال دولة آمنوا بالثورة التي أطاحت بنظام عسكري، وما تتطلع إليه من دولة عادلة وديمقراطية. وفي الشرق مشروع آخر على رأسه جنرال متقاعد قادم إلى أمريكا يريد استنساخ حكم عسكري شمولي ودكتاتوري لدولة مجاورة وهي مصر التي لا تتخر جهدا في الدفع نحو هذا المشروع المدمر بإيعاز من ممولي وعرابي الانقلابات العسكرية في العالم العربي من دويلة الخليج الإمارات والمملكة السعودية.

ولا شك أنّ المشروع الثاني الذي بدأه حفتر في الشرق متعللا بوجود الإرهاب وداعش بينما يتهمه خصومه بصنع هذا الإرهاب للاستفادة منه سياسيا، يغري كثيرا من الدول الطامعة في ثروات ليبيا وعلى رأسها فرنسا ومصر والإمارات التي عرفت بالاستثمار في الحروب والدماء من أجل الحصوصل على أسواق جديدة ونصيب من كعكة النفط. حيث يجلب هذا المشروع العسكري معه منافع كثيرة للدول الأجانب والعسكر على حساب الوطن والشعب فتنتشر الفوضى والجريمة والانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية ويعم الخوف وينهار الاقتصاد فيحكم القوي بمباركة هذه الدول تحت حجة توحيد البلاد وتوفير الأمن. وتكون الفاتورة باهضة يدفعها في النهاية الشعب الليبي من أبنائه وثرواته.

أما المشروع الثاني، مشروع الدولة المدنية الديمقراطية التي يمثلها الغرب وحكومته الشرعية، فهو مشروع حكم جماعي وديمقراطي ومؤسساتي لا مجال فيه للصفقات المشبوهة ولا لبيع الذمم ولا للانتهاكات الحقوقية وجرائم الحرب ولا للحكم الشمولي والتوريث وغير ذلك من مساوئ حكم العسكر والجنرالات الملطخة أيديهم بدماء الأبرياء.. ولا مجال فيه طبعا لسرقة الثروات ونهبها من قبل الدول الطامعة في الاستحواذ والهيمنة. ولا مكان فيها بالتالي إلا للقانون. وهو ما لا يريده أصحاب الأطماع والأماني بالاستثراء السريع والتجبر بالسلطة.

ورغم أنّ المشروعين واضحين وواضحة أهدافهما للعيان بل أنّ دعاة الدولة العسكرية من المهللين والمطبلين الإعلاميين والسياسيين لا يتوانون لحظة في إعلان ذلك في مشهد غريب ومتناقض. فكيف للإعلامين والسياسيين والنخب أن تنادي بدولة عسكرية والتاريخ شاهد على تجارب الدكتاتوريات العسكرية بل تاريخ ليبيا القريب خير شاهد على فظاعة وتخلف حكم العسكريين الذين لايؤمنون بالفرد ولا بالمجموعة؟ ولعل هؤلاء باعوا ذممهم للعسكر وحلفائهم الخليجيين والمصريين والفرنسيين كي يكونوا دعاة له ولا غرابة في ذلك..

ولكن الغريب والعجيب أن يساند بعض نخب تونس هذا المشروع العسكري الممول من الخارج وهم يعيشون في بلد يشهد نموذج للدولة الديمقراطية في العالم العربي ويعيش تجربة تاريخية لأول مرة منذ الاستقلال عن الاحتلال الفرنسي الغاشم..؟ وهو ما يعني أن هؤلاء يعيشون حالة من التناقض والسكيزوفرينيا السياسية جديرة بالمتابعة والتحليل ولعلها تكون من أمراض ما بعد الثورات النفسية والعقلية.. ويكفي هؤلاء أن الدول الغربية المتقدمة وخاصة الأوروبية التي يتخذونها مثالا حضاريا لا يحكمها عسكر ولا جيش وإنما تحكم بالعدالة والديمقراطية والقانون.

هذه الصورة ببساطة في ليبيا على تعقيداتها.. صراع بين دولة مدنية وأخرى عسكرية.. فأي الدولتين يختار العقلاء ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

همزة: تونس مُفردة في محل جرّ.. بفعل فاعل مبني للمجهول..

تونس – السفير – ظافر بالطيبي يقول اللغويون أنّ الحال دائما ما يكون منصوبا، إلا…