YOUR EXISTING AD GOES HERE

تونس – الافتتاحية – ظافر بالطيبي

لم تكن التشكيلة الحكومية التي قدمها إلياس الفخفاخ للرئيس سعيّد بأفضل من تشكيلة سابقه الحبيب الجملي، ولكن الظرف الزمني والسياسي والقانوني من المرجح أنه سيكون لصالح الفخفاخ وإن لم يكن هو الأفضل ولا فريقه الوزاري المقترح..

هذا يعني دون شك أن من يتقلد المناصب في بلدنا اليوم من أعلاها إلى ادناها ليس بالضرورة من يستحقها فعلا وحقيقة. فنحن اليوم أمام انتدابات وزارية شبيهة بتلك التي في المناظرات الوطنية أو في انتدابات الشغل حتى في القطاع الخاص. أنت الأفضل والأكفأ ليس بالضرورة أنت المختار.

فالعوامل التي باتت اليوم تحرك المشهد وتتحكم في التسميات والترقيات هي بالأساس التدخلات و”الأكتاف” حينا والمحاصصات الحزبية والسياسية والنقابية حينا آخر والعلاقات الخاصة بفلان وعلان في كثير من الأحيان.

ويبدو أن حكومة إلياس الفخفاخ ليست بشاذة عن هذا الواقع الشاذ. فهي حكومة غير متجانسة من جهة ومتعدد الجنسيات والأجناس و”الأزناس” من ناحية أخرى.

إلى جانب الصدفة السياسية والتاريخية التي جاءت بإلياس الفخفاخ إلى المشهد الحالي الشبيه تماما بتلك الصدفة التاريخية والسياسية السابقة التي جاءت أيضا بسابقه يوسف الشاهد قبل سنوات قليلة، هناك أيضا مصادفات أخرى منها السجالات السياسية والحزبية وبعض الحسابات الضيقة لدوائر الحكم والقرار ومحيطها الداخلي والخارجي. وعلى رأسها إرادة الرئيس قيس سعيد الذي سعى إلى القطع مع الفساد وبعض عناوينه السابقة ومحاصرة بعض القوى السياسية الوازنة التي أرادت فرض رىيتها السياسية المرحلية.

ولكن خطورة حكومة الفخفاخ لا تكمن هنا بقدر ما تكمن في عناوينها الوزارية الجديدة. فإلى جانب بدعة المستقلين الذين تحوزوا على الوزارات السيادية وماهم في الواقع بمستقلين ولكن السياسيين المتحزبين في بلادنا يعجبهم خداع أنفسهم أحيانا وخداع الشعب ببعض الحيل السياسية التافهمة من هذا القبيل وما شابهه، إلى جانب المستقلين تم توزيع “دم” الحكومة الجديدة على أغلب “القبائل” الحزبية المتصدرة للمشهد ما عدا الحزب “الشيطان” “قلب تونس” الذي تبرأ منه الجميع بما فيهم الفاسدون أنفسهم..!

نجد في حكومة الفخفاخ وزراء من النهضة وليسوا بأفضل ما عندها، ووزراء من التيار الديمقراطي وحركة الشعب وتحيا تونس وحزب البديل إلى جانب حزب المستقلّين أو بالأحرى “المستغلّين” بفتح الغاء أو كسرها لا فرق كبير بينهما.

والمتمحص والمتفحص جيدا للتركيبة المنشورة والتي ستعرض خلال الساعات القادمة على البرلمان الذي لا يقل سوءا عن كل الحكومات المتعاقبة على البلاد منذ الثورة إلى اليوم، يجد أنها رغم تسميتها حقيقة ومجازا وعنادا وكذبا وزورا وبهتانا بحكومة الرئيس إلاّ أن فرنسا هي كلمة السر في تركيبتها. فأغلب الوزراء هم إما من خريجي المعاهد والمدارس الفرنسيّة وإلا من كوادر شركاتها الكبرى قديما او حديثا.

وفي هذا السياق تأتي مشاركة حزب البديل التونسي والعلاقة القديمة المتجددة بين مهدي جمعة رئيس الحزب ورئيس الحكومة إلياس الفخفاخ اللذين جمعتهما علاقة زمالة شغلية فديمة جدا في إحدى الشركات الفرنسية بفرنسا سرعان ما تحولت هذه العلاقة القديمة إلى تبادل خبرات ونصائح واستشارات للحكومة الجديدة ومن ثمة مشاركة فعلية في تركيبتها.

ناهيك عن السير الذاتية لعدد كبير من الوزراء الذين تربوا على ما يبدو في أحضان دولة المحتل السابق لبلادنا فرنسا -خمسة وزراء يحملون الجنسية الفرنسية على رأسهم الفخفاخ شخصا- ولا أظن أنهم سيكونون بخلاء عليها بما تجود به قرائحهم إذا ما أراد ساستها أخذ ما يمكن من كعكة الحكومة الجديدة.

ثم ما يروج من اتهامات حول وزيرة الثقافة المقترحة شيراز العتيري التي تثير الجدل حيث تتعلق بها تهم في الفساد عندما كانت مديرة مركز السينما والصورة قبل أسابيع قبل أن يقيلها وزير الثقافة الحالي، إلى جانب تهم بالتطبيع. وهي أيضا من صديقات فرنسا المخلصات.

إلى جانب ما راج ويروج عن مرشح عن تحيا تونس من أنه كان واشيا للنظام السياسي السابق والساقط. ولا يشك أحد في العلاقة القوية لحزب تحيا تونس وزعيمه الفرنسي التونسي يوسف الشاهد بفرنسا وسياستها.

وكي لا نكون متحاملين، من جهة أخرى هناك زوايا مشرقة في الحكومة المقترحة، فإلياس الفخفاخ وإن كان فاشلا سياسيا وحزبيا فقد سبق له ونجح في وزارته بالمالية في ظل حكومة الترويكا. كما أن وجود المناضل الحقوقي العياشي الهمامي في التشكيلة الوزارية قد يغطى الكثير من الثغرات والمساوئ، فالرجل مثال لنظافة اليد والإخلاص للمبادئ والثورة وحقوق الإنسان.

يبدو أن الكثير من التونسيين خاب أملهم الكبير الذي علقوه للوهلة الأولى بالرئيس قيس سعيد، وإلا كيف يرشح رئيس حكومة مزدوج الجنسية وكأنه يصحح ما قيل من أن المكالمة التي جمعته بماكرون ليلة إعلانه إسم المرشح كانت للغرض والضغط. وكيف يقبل بوزراء في الحكومة من ذوي الجنسيات الفرنسية والبريطانية ولا أحد من هؤلاء مستعد للتخلي على هذا الامتياز الذي يناقض مفهوم الوطنية في معناه الصحيح الذي لا يبدو أن سياسيي اليوم يعرفون له حدا ولا تعريفا..؟

فلله درّك أيها الرئيس

كل هذه المعطيات التي تحدثنا عنها وغيرها التي لا يمكن الحديث عنها، تجعلنا نتساءل لزاما، هل حكومة الفخفاخ حكومة الرئيس أم حكومة باريس؟ وإن كنا نعلم علم أغلب الظن وأدنى اليقين أنها حكومة باريس وأن الرئيس مازال في مرحلة التربص والتمرين..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

همزة: تونس مُفردة في محل جرّ.. بفعل فاعل مبني للمجهول..

تونس – السفير – ظافر بالطيبي يقول اللغويون أنّ الحال دائما ما يكون منصوبا، إلا…