YOUR EXISTING AD GOES HERE

تونس – السفير – ظافر بالطيبي

تونس كانت دائما وأبدا نموذجا فريدا ومنفردا عن باقي الجسم العربي المكلوم سواء تعلق الأمر بالديمقراطية وكذلك بالانقلابات. فما حدث يوم 25 جويلية المنقضي اعتبرته الغالبية النخبوية في تونس انقلابا على الشرعية والدستور وتأويلا خاطئا لرئيس الجمهورية لروح الفصل 80 من الدستور. إلا أنّ هذا “الانقلاب” في حد ذاته لم يكن كسائر الانقلابات “العربية” والتقليدية المتعارف عليها..

يبدو أنّ الرئيس سعيد كان منذ البداية ،ورغم لغته الصارمة والحازمة فور إعلانه تفعيل الفصل 80، حذرا شديد الحذر في التعاطي مع الموقف وتبعاته المحتملة لاسيما بعد وقوف رئيس البرلمان أمام بابه المغلق مخاطبا أفراد الجيش الذين منعوه من الدخول وتناقل قنوات ووكالات أنباء العالم ذلك المشهد المخيّب للآمال لديمقراطية تونس التي يُضرب بيها المثل في كل العالم العربي والغربي. فسارع قيس سعيد إلى نفي توصيف ما قام به بالانقلاب.

ساعات قليلة، بعد نزهة التطبيل والتصفيق، خرج رموز النخبة التونسية لاسيما من رواد القانون الدستوري في تونس ليعبروا عن موقفهم من إجراءات الرئيس ويصفونها بأنها انقلاب على الشرعية والدستور. ولعل من أبرزهم عياض بن عاشور الذي كان موقفه صارما وحادا وكذلك جوهر بن مبارك والقاضي أحمد الرحموني وغيرهم ممن كانت مواقفهم واضحة وحازمة.

كما كان للتدخلات الأجنبية وقع هام على “الانقلاب” حيث سرعان ما جاءت النداءات لإعادة المسار الديمقراطي وعمل مؤسسات الدولة وعلى رأسها البرلمان “المجمّد”. ولعل مواقف الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا كانت الأوضح في الصدد. الشيء الذي جعل نسق إيقافات بعض النواب بسبب “تهم” و”قضايا” سابقة ومسبوقة يتراجع فجأة بل ويتم تسريح نواب ائتلاف الكرامة من قبل قاضي التحقيق العسكري وتركهم في حالة سراح أثناء التحقيق في واقعة “حادثة المطار” القديمة الجديدة..

رغم تعهدات رئيس الدولة منذ البداية بالعودة إلى المسار وحماية الحريات وحقوق الإنسان وحرية الصحافة، إلا أن المخاوف ازدادت يوما بعد يوم بسبب مؤشرات خطيرة كان أهمها محاولة “اعتقال” المحامي مهدي زقروبة من بهو المحكمة في نفس قضية “المطار”. وكذلك بعد إيقاف “بوليس الانقلاب” لعدد من المدونين والمعارضين للوضع الجديد باعتماد الإجراءات الاستثنائية.

عوامل عديدة جعلت “الانقلاب” الذي بدا منذ البداية على غير شاكلة الانقلابات السياسية والعسكرية التقليدية، يتريّث أو يتراجع قليلا إلى الوراء تاركا العصا الغليضة التي حاول استعمالها جانبا، لتطبيق القانون وحفظ الدولة كما يردد دائما رئيس الدولة. في الوقت الذي مازالت فيه أطراف أخرى ، داخلية وخارجية، تحاول التوسط لحل الأزمة وأخرى تقدم مقترحات الخروج من الوضع الصعب إلى حالة الاستقرار..

وفي كل الحالات، خلافا لما أمله عدد كبير من عشاق العصا الغليضة والعبودية المذلّة للسلطان، لم يكن انقلاب الرئيس سعيد، انقلابات بالمفهوم التقليدي بقدرما ماهو انقلاب مقلوب سرعان ما انقلبت عليه الظروف والأوضاع فلا رضي عليه أصحابه ولا معارضيه حيث بات كل شيء معلقا إلى حين وصول المفاوضين والوسطاء إلى “انقلاب” جديد قد يعيد المقلوب إلى حالته الأولى أو قد يأخذ كلّ الأوضاع إلى قالب جديد قد يكون أقل عرضة للقلب والانقلابات..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

همزة: تونس مُفردة في محل جرّ.. بفعل فاعل مبني للمجهول..

تونس – السفير – ظافر بالطيبي يقول اللغويون أنّ الحال دائما ما يكون منصوبا، إلا…