YOUR EXISTING AD GOES HERE

إعداد: محمد المبسوط (متفقد رئيس للملكية العقارية)

الموت إما أن يكون طبيعي و يقصد به ذلك الموت الحقيقي الذي تنتهي بموجبه حياة الإنسان ماديا و بيولوجيا و قانونيا أو حكميا أوما أصطلح على تسميتها بالوفاة الحكمية وهي تلك الني تتعلق بحالة المفقود “الذي انقطع خبره و لا يمكن الكشف عنه حيا” كما عرفه الفصل 81 م ا ش.

فحكم بنمويته فالمقصود بالوفاة الحكمية الوفاة المبنية على الحكم بتمويت الشخص الذي أصبح من المستحيل الكشف عنه حيّا بما يقتضي التعرض إلى الطبيعة القانونية لحكم التمويت وحجيّة الوفاة المبنيّة عليه (أولا) وذلك قبل التعرض إلى فرضية إبطال حكم التمويت سند إقامتها وآثاره (ثانيا).

أولا: الطبيعة القانونية لحكم التمويت وحجيّة الوفاة المبنيّة عليه إذا كانت حجة الوفاة في صورة الوفاة الطبيعية تقام من طرف قاضي الناحية بعد اتصاله بمضمون من رسم الوفاة الذي يتولى تحريره ضابط الحالة المدنية بناء على تصريح بالوفاة، فإنها في صورة الوفاة الحكمية تقام بعد صدور حكم بتمويت المفقود الذي عرفه المشرع التونسي صلب الفصل 81 م ا ش “الشخص الذي انقطع خبره ولا يمكن الكشف عنه حيا” أو كما جاء بالصياغة الفرنسية لنفس الفصل “يصبح من المستحيل الكشف عنه حيا”، وبذلك ميزه عن المفاهيم المجاورة باعتبار أن الفقدان يختلف عن عدم الحضور ذلك أن الأول يختفي فيه الشخص في ظروف تغلب عليها الوفاة أما الثاني فالشخص يكون وجوده محققا لكنه غير موجود بمقره، كما يختلف الفقدان عن الغياب من حيث غلبة الوفاة فلئن كان الفقدان غياب تغلب فيه الوفاة فإن الغياب هو انقطاع عن الظهور دون أن تكون حياة الغائب محل شك بما يكون معه كل مفقود هو غائب وغير حاضر وليس كل غائب أو غير حاضر مفقود. وبالرغم من ثبوت الفقدان فإن الموت الحكمي لا يتحقق إلا بعد صدور حكم يقضي بالتمويت والذي بالنظر إلى خطورته وأهمية الآثار الناتجة عنه شدد المشرع في إجراءات استصداره سواء ما تعلق منها بإجراءات إدارية وما تشمله من تقارير أو بحوث اقتضتها الفصول 54 و 56 من قانون الحالة المدنية أو الفصل 133 من مجلة الطيران المدني أو إجراءات قضائية تتعلق بمن يثير الدعوى والمحكمة المتعهدة اعتمادا على أحكام الفصل 55 من قانون الحالة المدنية وما تصدره من أحكام تحضيرية في الغرض إما للقيام بالإشهار كما ذهبت إلى ذلك المحكمة الابتدائية بقرمبالية في حكمها المدني عدد 26524 الصادر بتاريخ 29 جانفي 1996 أو للقيام بإجراء أبحاث استقرائية كما يتضح من القرار الصادر عن المحكمة الابتدائية بالقيروان في حكمها عدد 27850 المؤرخ في 08 أكتوبر 1996.

إن أهمية الآثار التي يمكن أن ينشئها حكم التمويت جعل المشرع يحرص على إجراءات استصداره كحرصه على إجراءات اكتسابه لحجيته إزاء الغير. حيث اقتضى ضرورة إشهاره كما يتضح ذلك من أحكام الفصل 57 من قانون الحالة المدنية الذي نص على أن كل حكم بثبوت الوفاة يضمن في تاريخه بدفاتر الحالة المدنية بآخر مقر للهالك أو بدفتر بلدية تونس إذا كان مقره مجهولا، وينص على الحكم وعلى ترسيمه بطرة الدفاتر في تاريخ الوفاة.

على أن التنصيص على حكم التمويت بدفاتر الحالة المدنية لا يكون آليا ولا يتم بمجرد صدور هذا الحكم بل لابد من صيرورته باتا حتى يتم التنصيص عليه وذلك إما بانقضاء جميع طرق الطعن العادية أو بفوات آجال الطعن. لكن إذا استوفى إشهار حكم التمويت جميع شكلياته وإجراءاته فإن هذا الحكم يكتسب حجية مطلقة وهي حجية تجد مبررها في اعتبار حكم التمويت من صنف الأحكام المنشئة باعتباره منشئا لوضعية التمويت وليس كاشفا لها، فهو يتمتع بحجية مطلقة إزاء الغير.

وطالما أن تحرير حجة الوفاة في الوفاة الحكمية يتم بالأساس على حكم الوفاة الذي يقوم مقام رسم الوفاة، واستنادا إلى ما سبق الإشارة إليه من حجية مطلقة لحكم الوفاة، تكتسب تبعا لذلك حجة الوفاة المقامة استنادا إليه حجية مطلقة توجب إدراجها بالرسم العقاري لتنتج آثارها على الحقوق العينية المرسمة. غير أن الحكم بالتمويت وإن اكتسب حجية مطلقة إلا أنه انبنى على ظروف وقرائن جعلت فرضية موت الشخص أقرب من ظهوره وهو حكم يمكن أن يتهاوى ويقضى ببطلانه إذا ظهر المفقود بعد إثبات وجوده.

ثانيا: إبطال حكم التمويت وآثاره إن إبطال حكم تمويت شخص بعد ظهوره وإثبات وجوده من شأنه أن يمس بعديد الوضعيات القانونية سواء على مستوى مآل حجة الوفاة المقامة على أساس حكم التمويت الذي تم إبطاله أة على مستوى علاقة المفقود العائد بالورثة. ففي خصوص حجة الوفاة التي سبق إقامتها لمن كان محكوما بوفاته، نلاحظ أن المشرع لم يتطرق إطلاقا لمصيره، ومع ذلك، يمكن القول بأن مآل حجة الوفاة تلك هو البطلان، اعتمادا على المبادئ العامة للقانون،

فالفرع يتبع الأصل وبالتالي فإن بطلان هذا الأصل يستوجب بطلان ما تفرع عنه مما يعني إن إبطال حكم التمويت يؤدي حتما إلى القضاء بإبطال حجة الوفاة التي حررت على أساسه. فالفصل 57 في فقرته الأخيرة ينص صراحة على “أن أحكام الوفاة تقوم مقام رسوم الحالة المدنية …” وباعتبار قيام حجة الوفاة في تحريرها على مضمون الوفاة الذي يقوم حكم الوفاة الحكمية مكانه فإن بطلان الحكم يستوجب بالضرورة بطلان حجة الوفاة.

وإذا كان إبطال حكم التمويت ينتج عنه إبطال حجة الوفاة كأثر مباشر له فهل يعني ذلك أن إبطال حجة الوفاة من شأنه أن يؤدي إلى إبطال جميع التصرفات التي قام بها الورثة فيما يتعلق بالتركة خاصة فيما تم ترسيمه بالرسم العقاري. مما يتجه معه التفرقة بين ما إذا كان المفقود وارثا أم موروثا حيث يتضح من الفصل 151 م ا ش أن المفقود “… إذا ظهر حيا بعد الحكم بموته أخذ ما بقي من نصيبه بأيدي الورثة” ويستفاد منه أنه يخص فقط الحالة التي يكون فيها المفقود وارثا وحكم بموته فإنه إذا ظهر حيا لا يسترجع كامل نصيبه بل فقط ما بقي منه بما يكون معه أن التشطيب على الوفاة المرسمة تبعا لإبطالها بناء على الحكم ببطلان حكم التمويت لا يجب أن يمس بحقوق الغير حسن النية الذي اكتسب حقوق من تصرفات ورثة من كان محكوما بوفاته.

في حين يسمح الفصل 58 من قانون الحالة المدنية للمحكوم بموته بعد إثبات وجوده باسترجاع “مكاسبه حسب الحالة التي توجد عليها وكذلك ثمن ما وقع التفويت فيه…” ويستفاد من هذا النص أنه يخص الحالة التي يكون فيها المفقود المحكوم بموته مورثا والذي له حق استرجاع المال عينا أو قيميا أي باسترداد “ثمن وا وقع التفويت فيه…” وعليه فإن التشطيب على وفاته المدرجة بالرسم العقاري لا يسمح له بغير استرجاع المنابات التي لم يقع التفويت فيها دون المساس بما اكتسبه الغير حسن النية من حقوق تبعا لتصرفات أبرمها ورثته والتي ليس له فيها سوى حق القيام بالتعريض على الورثة لاسترجاع ثمن ما وقع التفويت فيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

ترسيم عمليات العقارات الخاضعة لنظام السفل والعلو بالسجل العقاري

تونس – السفير – بقلم محمد المبسوط بالرغم من أهميته لم يضع المشرع التونسي نصا خ…