YOUR EXISTING AD GOES HERE

تونس – السفير – ظافر بالطيبي

كل من ينظر في خارطة الانقلابات العسكرية التاريخية والجغرافية يجدها تنصبّ فقط في البلدان المستضعفة والمتخلفة والتي توصف بدول العالم النامي، لاسيما منها البلدان العربية والإسلامية التي تتميّز بمواقعها الاستراتيجية الجغرافية وثرواتها الطبيعية.

وبما أنّ هذه الانقلابات الغادرة التي تطيح بالرؤساء والحكومات والبرلمانات، لا تقع عادة إلا في البلدان النامية فمن الطبيعي والموضوعي أنّ تكون الدول الاستعمارية الكبرى متورطة في الأمر. فرغم أنّ بلداننا العربية والإسلامية نالت “استقلالها” المزعوم والموهوم من محتليها خلال القرن الماضي –ماعدا فلسطين المحتلة- إلا أنّها في الحقيقة مازالت ترزح تحت نوع جديد من الاحتلال والاستخراب (الاستعمار) أشدّ فتكا وتعقيدا.

تجنيد العملاء واحتلال العقول

ظلّت الشعوب العربية لاسيما منها دول المغرب الكبير ومصر والشام تحتفل لعقود بأعياد استقلالها وأعيادها الوطنية التي تخلصت فيها من احتلال الفرنسيين والبريطانيين والإيطاليين وغيرهم، حيث تم تزوير الحقائق والتاريخ وتنصيب نخبة سياسية عميلة في الغالب، قريبة من المحتل بل تدين له بالولاء والطاعة وتقر له بالفضل والمنّة. وتم تقديم هؤلاء على أنهم رموز الوطنية والنضال والجهاد ضدّ الغزاة المستعمرين ونُصّب بعضهم رؤساء وآخرون ملوكا وسلاطين وأمراء، حكموا شعوبا ضعيفة واخترقوها عبر آليات عديدة وجديدة من بينها الإعلام والعمل المجتمعي والمنظمات الدولية وحديثا شبكات التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف الذكية ومنصات التواصل المختلفة.. وجعلوا من الأبطال أنذالا ومن الأنذال أبطالا، وعمّقوا الخلافات وفرّقوا بين الشعوب بداية بعد تقسيم البلاد العربية والإسلامية ثمّ انتقلوا إلى تقسيم البلد الواحد والشعب الواحد. وأثاروا الفتن والنعرات كي يسهل التحكم في الشعوب ونخبها المتحررة من جهة ويسهل عليهم تسيير الحكام الجدد وفرض إملاءاتهم عليهم من جهة أخرى.

ويُعتبر هذا النوع من الاحتلال الجديد والمعقّد -الذي يقوم أساسا على مراكز واجهزة الاستخبارات ومراكز دراساتها المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها- حربا جديدة على الدول المستضعفة لمواصلة الحرب السابقة المباشرة التي كانت تقوم على التدخل الصريح والمباشر لفرض إرادة القويّ على الضعيف. وتسمى الحرب الغير متماثلة او حرب الاستخبارات ونحن اليوم إزاء الجيل الرابع منها، وهو ما صرّح به مؤخرا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عندما قال إنّ بلاده تتعرض للجيل الرابع من الحرب غير متماثلة التي تستهدف هوية وأصالة بلاده.

وتقوم بالأساس هذه الحرب على تحقيق إرادة العدو بطرق جديدة ودون التصريح بها للخصم عبر المخططات السرية والاستعلامات والهجمات السبرانية وحتى القنوات الدبلوماسية.. بل وتعتبر الانقلابات العسكرية والحروب الأهلية من بين اهم استراتيجيات هذا النوع الجديد من الحروب الصامتة غير التقليدية وغير المتماثلة، بل وحتى بعض الثورات والتحركات الشعبية..

الانقلابات العسكرية لترتيب أوراق اللعبة من جديد

رغمّ أنّ القوى الاستعمارية (الاستخرابية) العظمى، لم تخرج فعليا من بلداننا ومازلت تتحكم في مفاصل البلاد الاقتصادية والسياسية بالأساس عبر عديد الآليات والأدوات، إلاّ أنها تضطّر أحيانا عندما تختلط أوراق اللعبة عليها وتصبح غير قادرة على تسيير الأمور من الخلف بالشكل المطلوب، أو عندما تتدخل أطراف أجنبية اخرى منافسة في الميدان وتستحوذ على بعض النفوذ لدى النخب المحلية السياسية والإعلامية والاجتماعية، إلى العنف الضروري في نظرها عبر حث العملاء من العسكريين عادة على الانقلاب واستعمال القوة المباشرة لفرض الشروط الجديدة، وتنصيب وجوه جديدة تكون أقدر على تنفيذ إرادات ورغبات وأجندات الطرف الاستعماري الأقوى في تلك البلاد.

ففي بلدان المغرب وإفريقيا عموما تسيطر فرنسا على العديد من الحكومات والدول وقد تورطت مؤخرا في عدد من الانقلابات العسكرية والسياسية منها ما كان ناجحا ومنها ما فشل ومنها ما كان أحاديا ومنها ما كان عبر تحالفات مع قوى أخرى إقليمية ودولية، على غرار مالي وتشاد وما وقع العام الماضي في ليبيا وما يقع اليوم في تونس والسودان، كما لا يخفى التدخل السافر بصفة متكررة لفرنسا في الجزائر، وذلك عبر تحالفات وتقاطعات سياسية مع قوى أجنبية مالية وسياسية مثل إسرائيل والإمارات والسعودية ومصر وروسيا في بعض الأحيان..

إنّ ما يحدث اليوم من انقلابات عسكرية مطردة في بلادنا العربية،الهدف الأساسي منه تحجيم آمال الثورات العربية والشعوب التي تطمح للحرية والكرامة والعيش الكريم. وهو ما يتعارض مع مصالح هذه الدول الكبرى وعلى رأسها إسرائيل وفرنسا التي دأبت على نهب مقدرات الدول وثرواتها واستنزاف إمكانياتها المختلفة حتى البشرية منها.. وهو ما يجعلها تدفع بكل الإمكانيات نحو خلق بؤر من الفوضى وحالة اللاستقرار والفتن المتواصلة لإنهاك الشعوب والدول المتحررة ومزيد السيطرة عليها وإرجاعها لحظيرة الخضوع والطاعة وإن كان ثمن ذلك دماء الأبرياء.

ولا أفضل في تحقيق ذلك من عملاء فاسدين مزروعين في بلداننا لا وازع لهم ولا رادع من اجل تحقيق مصالحهم الضيقة على حساب الدول والأمم. فيستحيلون إلى بيادق بيد أسيادهم يسهل التحكم بها بسبب جرائمهم وفسادهم وانتهاكهم للقوانين والمواثيق الدولية، تتخلص منها هذه القوى لاحقا عندما تنتهي مهامهم أو يعجزون عن تحقيقها أو عند الثورة عليهم من شعوبهم التي قد تخفت أحيانا ولكنّها تظل نابضة بآمال التحرر وبناء وطن قوي ومستقل كباقي الشعوب والأوطان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

همزة: تونس مُفردة في محل جرّ.. بفعل فاعل مبني للمجهول..

تونس – السفير – ظافر بالطيبي يقول اللغويون أنّ الحال دائما ما يكون منصوبا، إلا…