YOUR EXISTING AD GOES HERE

تونس – السفير – ظافر بالطيبي

ماتزال الأحداث في أوكرانيا تثير التأويلات والتكهنات يوما بعد يوم، في ظل وجود مؤشرات ترشح الحرب لمزيد من التطور والتعقيد. فحسابات ثاني أقوى جيش في العالم لم تكن في الحسبان، وكانت خلاف التوقعات، بل خلاف التقارير الاستخباراتية التي زود بها جهاز الأمن الرئيس بوتين. وقد أكدت صحيفة التايمز البريطانية نقلا عن عدة مصادر اعتقال رئيس فرع المخابرات الخارجية في جهاز الأمن الروسي سيرغي بيسيدا، مع نائبه أناتولي بوليوخز ووضعهما قيد الإقامة الجبرية بسبب ما وصفت بأنها معلومات خاطئة بخصوص الأوضاع في أوكرانيا. وهو أمر مثير للحيرة كيف لقوة عسكرية عظمى مثل روسيا تقدم على حرب دون أن تكون مستعدة لها على الشكل المطلوب ناهيك عن تكبّدها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد غير تلك الخسائر المنجرة عن العقوبات الاقتصادية القاسية التي سلطها الغرب ضدّ موسكو.

مؤشرات عديدة جعلت بعض المتابعين للشأن الدولي يقرؤون المشهد في أوكرانيا بشكل آخر. حيث أنّ الحقيقة تختلف كثيرا عما يبدو عليه الأمر في وسائل الإعلام والخطابات السياسية الرسمية لكلا الطرفين وحلفائهما.

الفخ الأمريكي

لا يخفى على المتابعين للشأن الدولي منذ سنوات، بدء ظهور طموح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لاستدعاء مجد الاتحاد السوفياتي، وتغلغل قواته العسكرية في بعض المناطق الأخرى خارج جمهورياته الاتحادية لاسيما في سوريا وليبيا وشمال إفريقيا عموما وبعض الدول الإفريقية المهمة على غرار تشاد ومالي والسودان وغيرها. وهي تحركات كانت تراقبها أمريكا عن كثب وتواجهها في الخفاء في إطار الحرب الباردة بين القطبين النووين العالمين. فأمريكا ترى روسيا والصين من أهم وأخطر منافسيها على النفوذ العالمي لذلك وضعت خططا كثيرة للحد من نفوذ الدولتين الكبيرتين، ما جعلها تعمل على حصارهما عبر التغلغل في دول مجاورة لهما على غرار أوكرانيا بالنسة إلى روسيا وتايوان وكوريا الجنوبية واليابان بالنسبة إلى الصين.

إلاّ أنّ روسيا تبدو ذات أولوية في حتمية المواجهة بين القطبين، فهي الأقرب جغرافيا واستراتيجيا باعتبارها تحتل جزءا مهما من أوروبا الشرقية وهو ما يجعلها تمثل تهديدا غير مباشر لدول أوروبا الغربية وحلف شمال الأطلسي بالرغم من تطبيع العلاقات مع كبريات دول الغرب الأوروبي وحلف الناتو. كما بدأت روسيا في السنوات الأخيرة تتغلغل أكثر ماليا واستخباراتيا في عدد من دول أوروبا مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا.  ومثل مشروع نوردستريم 2 للغاز بين روسيا وألمانيا مشكلة لواشنطن فهو طريق لتطبيع العلاقات مع حليف من أكبر حلفاء واشنطن الأوروبيين وقد يؤدي إلى تقارب بين البلدين اللذين يجمعهما تاريخ سياسي وإيديولوجي، وهو ما ترفضه الولايات المتحدة الأمريكية وعملت على إفشال المشروع في أكثر من مناسبة. لذلك تمثل الحرب الروسية الأوكرانية الأخيرة فرصة مهمة لأمريكا من أجل إضعاف الدب الروسي والحد من إمكانياته وتوسعه خارج خارطته القديمة.

أحداث ومعطيات ومؤشرات كثيرة تؤيّد فرضية استدراج روسيا عبر مخطط محكم من أجل التورط في أوكرانيا، فينقلب السحر على الساحر كما هو الحال اليوم، ويجد الدب الروسي نفسه في أوحال صعبة الميراس ما يجعله يقوم بكل ما يستطيع من أجل إنهاء المغامرة بأقل الأضرار ودون الخروج في صورة المنهزم وهو ما قد يدفع الجيش الروسي لاستعمال أسلحة محرمة من أجل إنهاء الحرب في أقرب وقت بعد الوقوع في الفخ. وقد سبق ونشر الكاتب الاستراتيجي الأمريكي بريزينسكي نفس المخطط في كتاب له سنة 1997 تحدث فيه عن أوكرانيا التي ستكون الهدف الأسمى للولايات المتحدة الأمريكية من اجل محاصرة روسيا وضمان عدم توسعها مجددا وتجاوز حدود جمهورياتها السابقة..

فبغض النظر عن التقارير الاستخبارية الخاطئة أو المغلوطة التي استهانت بالجيش الأوكراني، وأوهمت الكريملين بسهولة الغزو وإمكانية دخول العاصمة كييف في أربعة أيام. إلى جانب إمكانية انحياز الشعب لروسيا وهروب الرئيس الأوكراني من ساحة الحرب وغيرها، يبدو أنّ الجيش الأوكراني قد تم تزويده بمعلومات استخباراتية وأسلحة لم تكن تعلم بها روسيا على غرار منظومة صواريخ إيغلا الروسية الصنع والتي واجه بها الأوكرانيون الجيش الروسي مما جعل موسكو تبحث عن الجهة التي زوّدت كييف بهذه المنظومة التي ساهمت في الحد من تقدم القوافل العسكرية الروسية. كما أشارت القوات الروسية إلى إمكانية استعانة الأوكران بطائرات أمريكية بدون طيار. وقد تكون هذه المفاجآت تم تحضيرها من قبل لمواجهة التدخل العسكري الروسي لاسيما وأن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا كانا قد ألعنا مسبقا عن قرار بوتين التدخل العسكري في أوكرانيا.

أوكرانيا.. كبش الفداء

من يحارب الروس اليوم حقيقة في أوكرانيا هم الأمريكان ودول حلف شمال الأطلسي عبر التمويلات وضخ المقاتلين الأجانب بما فيهم المرتزقة إلى جانب أسلحة وتجهيزات عسكرية قوية فاجأت الجيش الروسي وعرقلت تقدمه على الميدان على مدى الأسبوعين الماضيين. فأوكرانيا في حقيقة الأمر ليست سوى كبش الفداء وساحة الحرب التي تم فيها توريط الروس عبر إثارة عدّة مخاوف وسيناريوات سهلت من استدراجهم إلى مستنقع الحرب الراهنة.

فمنذ أن أطاحت “الثورة الأوكرانية” عام 2014 بالرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش المقرب من الكرملين، بعد أعمال عنف وشغب شارك فيها متظاهرون ومسلحون “مجهولون” وقوات الشرطة، وجدت روسيا نفسها إزاء خطر حقيقي يهدد أمنها القومي بعد صعود الرئيس زيلينسكي وارتماء الجمهورية السوفياتية السابقة في حضن أمريكا و الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. بيد أن الأمر كان مخطط له مسبقا من قبل اليد الخفية للولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي لمحاصرة تهديد موسكو والحد من طموحاتها التوسعية واسترجاع التراث السوفياتي. فأمريكا لا يمكن أن تسمح لأعدائها التاريخيين بالتوسع والتقدم أكثر مما هو مسموح بالنسبة إليها بما يهدد وصايتها الفردية على العالم. لذلك مهدت كل السبل ووفرت كل أسباب الحرب لتوقع بوتين في المحظور بعد أن سدّت كل منافذ الخيارات الأخرى لاسيما الدبلوماسية أمام الكريملين. كما ورطت أوكرانيا بعد إغراء رئيسها الحالي بجنة “الناتو” والاتحاد الأوروبي. وليس من قبيل الصدفة أن كل ما يحدث الآن يصب بالدرجة الأولى في صالح بلاد العم سام. فقد تم عزل روسيا دوليا وتسليح أوكرانيا تباعا بأحدث الأسلحة الأوروبية خوفا من  استعمال الروس للأسلحة الكيماوية. كما أن ألمانيا جمّدت اتفاق نورد ستريم 2 المغضوب عليه أمريكيا ما سيتيح الفرصة لأمريكا لمواصلة توريدها الغاز المسال لأوروبا وألمانيا تحديدا..

كما أنّ الأحداث مرشحة للاستفحال أكثر بعد التصريحات العدائية من بايدن تجاه بوتين وقرارات التمويل الكبير لأوكرانيا إلى جانب العقوبات الاقتصادية غير المسبوقة ضد روسيا وتجنيد الدول للمساهمة فيه ودخول حلف جديد قد يضع روسيا في الزاوية ويخنقها أكثر مما قد يؤدي إلى ردّة فعل قوية من بوتين قد تصل حد استعمال السلاح الكيميائي وقد يتطور الأمر لما بعد الأسلحة الكيميائية والمحرمة دوليا ما قد يؤدي إلى حرب عالمية ثالثة أو بالأحرى حرب أوروبية عالمية قد تتدخل الولايات المتحدة الأمريكية في آخرها لتقطف ثمارها كما كان الشأن في الحرب العالمية الثانية دون أن تدفع قطرة دم واحدة..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

همزة: تونس مُفردة في محل جرّ.. بفعل فاعل مبني للمجهول..

تونس – السفير – ظافر بالطيبي يقول اللغويون أنّ الحال دائما ما يكون منصوبا، إلا…