YOUR EXISTING AD GOES HERE

السفير – وكالات
نحو شهر ونصف، مكث المعتصمون في رابعة العدوية والنهضة رفضا للانقلاب العسكري وطلبا لعودة الرئيس المعزول محمد مرسي. ومع إشراق صباح 14 أغسطس/آب تقرر الإطاحة برؤوس اعتصمت وحان قطافها، فكانت مذبحة غرست لواء دم لا يزال يرفرف على أرض مصر.
في هذا اليوم، جرت أكبر عملية قتل جماعي في تاريخ مصر الحديث، وهذا الوصف لمنظمة هيومان رايتس ووتش.
تقدمت آليات عسكرية وأحاطت بجميع مداخل الميدانين وأطبقت الخناق على كل من فيهما. تجمع الشباب وحاولوا بما تيسر لهم منع قوات الأمن، لكن الرصاص انهمر من فوقهم ومن كل الاتجاهات، وهيأت قنابل الغاز لأفراد الأمن اصطيادهم واحدا تلو آخر، وأحرقت الخيام، وجرفت الجثث.
قتل الآلاف من المعتصمين وفقا لمنظمات حقوقية، وأحيل مئات من المعتصمين إلى القضاء، لكن لم يوجه أي اتهام إلى أحد من الجيش أو الشرطة.
أحرق الميدان بكل ما فيه ومن فيه، لكن جذوة المحرقة لن تنطفئ في قلوب من حضرها وشاهدها إلا بالاقتصاص لهم، كما يقولون.
كما تبقى هذه الصورة شاهدة على مر العصور بأن ثوارا ماتوا هنا من أجل التمسك بتجربتهم الديمقراطية.
وكل يوم يمر أحمد على ميدان رابعة عائدا من عمله، وهو الذي لم يفوت يوما خلال فترة الاعتصام بالميدان، ليخفف الوطء أثناء مروره على الميدان بسيارته، “فما يظن أديم هذا الميدان إلا من أجساد رفاقه، يمشي الهوينى ويشير بيد منكسرة: هنا كنا”، ويبكي.
ويتذكر أسامة -وهو طالب ممن اعتصموا في رابعةـ أنه سأل عن سر اختيار ميدان رابعة فجاءت الإجابة من قيادات الاعتصام بالقول إنه قريب من قصر الاتحادية الرئاسي، وتوسطه لعدة مبان إستراتيجية، مما يشكل رسالة ضغط على المجلس العسكري، كما أن الإسلاميين سبق لهم التظاهر فيه أكثر من مرة.
لكنه يرى الآن أن الأفضل كان الاعتصام حول قصر الاتحادية نفسه، لحماية الرئيس من الاختطاف، فربما تغير مسار ومصير الأحداث.
يبدو الأمر بمثابة إعادة تقييم للاعتصام من حيث الفكرة والمكان والتوقيت ونوعية المشاركين. ويرى غانم -وهو اسم مستعار لأحد المعتصمين- “كنا نكرر ما فعلناه في اعتصام التحرير للإطاحة بمبارك غير مدركين فرق الظرف والمكان والزمان”.
رغم مرور ثلاث سنوات على فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة -اللذين ضما عشرات الآلاف من مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي- تظل أعداد ما خلفته المذبحتان من قتلى ومصابين ومفقودين مختلفا عليها من جانب الجهات الرسمية المصرية والمنظمات الحقوقية المحلية والدولية وشهود العيان.
فمن جانبها، أعلنت وزارة الصحة بعد يوم واحد من المذبحة عن وقوع 333 قتيلا مدنيا وسبعة ضباط خلال فض الاعتصامات و1492 مصابا وزعوا على 23 مستشفى، بينما أكدت مصلحة الطب الشرعي على لسان متحدثها الرسمي في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 حصر 627 قتيلا خلال واقعة فض اعتصام رابعة وحدها.
وفي مارس/آذار 2014 أعلن وزير الدفاع آنذاك وقائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي أن حصيلة ضحايا الفض لم تتجاوز 312 شخصا، وبعد يوم واحد من تصريحاته أصدر المجلس القومي لحقوق الإنسان -يعين أعضاؤه من جانب الحكومة- تقريرا ذكر أن عدد قتلى اعتصام رابعة العدوية بلغ 632 قتيلا، منهم ثمانية عناصر من الشرطة.
آلاف القتلى
من جانبه، أعلن تحالف دعم الشرعية المؤيد للرئيس المعزول محمد مرسي أن ضحايا الفض تجاوز الـ2600 قتيل، بينما ذكر القياديان في جماعة الإخوان المسلمين محمد البلتاجي وعصام العريان أن العدد تجاوز الثلاثة آلاف قتيل، فضلا عن آلاف المصابين والمعتقلين.
ووثق المرصد المصري للحقوق والحريات 1162 حالة قتل. وذكر موقع ويكي ثورة -وهو موقع مختص بتوثيق أعداد ضحايا أحداث الثورة المصرية- أسماء 932 قتيلا من خلال جثامين كاملة التوثيق، و133 قتيلا آخر بمبادرات حصر بلا وثائق رسمية، فضلا عن خمس جثث مفقودة وفقا لشهادات ذويهم، و29 قتيلا مجهول الهوية بحصر أولي لجهات حقوقية به احتمال تكرار، إلى جانب ثمانين جثة في مستشفيات الصحة غير معلومة البيانات بها احتمال تكرار، و81 حالة وفاة أو أشيع وفاتها بلا بيانات كافية.
وعلى صعيد المنظمات الدولية، قالت منظمة العفو الدولية إنها وثقت ستمئة حالة قتل، مشيرة إلى أن الجهات الأمنية لم تمكنها من الوصول إلى كل أماكن الاشتباك والاعتداء بشكل ييسر لها الحصر بدقة، بينما أكدت مؤسسة الكرامة الدولية إن عدد القتلى بلغ 985 شخصا.
420 (1)
“اعتصام النهضة ومجرياته وما حدث خلال فضه من مذبحة ومحرقة يشيب لها الولدان، ومع الوقت باتت مذبحة النهضة منسية ولا تذكر إلا في سياق مصاحب لمذبحة رابعة العدوية، ولم تلق التناول اللازم والاهتمام المطلوب”.
هكذا رأى عضو المركز الإعلامي بالاعتصام أحمد صالح ما كان عليه الحال خلال مجريات اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، مرجعا ذلك في حديثه للجزيرة نت إلى استئثار ميدان رابعة باهتمام المنابر الإعلامية المهتمة بمتابعة اعتصامات رافضي الانقلاب.
فيما يرى القيادي في جماعة الإخوان المسلمين وأحد رموز اعتصام النهضة أشرف عبد الغفار أن “مكان الاعتصام الذي تم اختياره بشكل عفوي وعشوائي ساعد في ظلمه وغياب المتابعة اللازمة له”، كون الميدان بعيدا عن المنازل السكنية ومحاطا بمساحات واسعة تابعة لجامعة القاهرة ومدارس أخرى كانت خالية حينها.
غير أنه أكد أن ميدان النهضة لم يكن أقل من ميدان رابعة في شيء، فقد وصلت أعداد المعتصمين فيه أحيانا إلى مئات الألوف.
وأشار إلى أنه رغم فض اعتصام النهضة سريعا فإن آلافا من المشاركين فيه اتجهوا إلى مبنى كلية الهندسة الذي يقع بمحيط الميدان واستمر اعتصامهم فيه حتى العاشرة مساء، لكن من دون أي تغطية إعلامية.
420 (2)
وقائع مهولة
وفي هذا السياق، يسترجع الطبيب عبد الرحمن الشواف -وهو أحد أطباء المستشفى الميداني للاعتصام- “وقائع مهولة ومشاهد قاسية” حدثت أثناء فض اعتصام النهضة، حيث تعمدت قوات الجيش والشرطة استهداف المستشفى وقتل المصابين فيه، بل وحرقه بشكل متعمد.
وقال في حديثه للجزيرة نت إن “اعتصام النهضة لم يكن بنفس حجم وجماهيرية اعتصام رابعة العدوية، ولذلك لم يأخذ حقه من الاهتمام الشعبي والإعلامي، كما أنه جاء عفويا وغلب عليه في البداية أنصار الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل قبل أن يدعمه الإخوان، كما لم تحظ الأهوال التي شهدتها مجريات الفض بالاهتمام الإعلامي اللازم”.
وتابع الطبيب الميداني -الذي اعتقل خلال الفض ومكث في سجون الانقلاب قرابة العام- “مع بداية الفض بدأ الناس -خاصة النساء والأطفال- في التوجه للمستشفى بحالات اختناق، وتجمعت إصابات كثيرة برصاص حي تم إطلاقه من الطائرات المشاركة في الفض، إضافة إلى الجنود الذين كانوا يطلقون النار من مسافات قريبة جدا”.
ولفت إلى أن “معظم الإصابات بالرصاص الحي كانت في الرأس أو الصدر مع حالات الاحتراق التي حدثت بسبب إلقاء قنابل حارقة باتجاه الخيام والمستشفى الميداني، مما أدى إلى موت بعض الأطفال اختناقا”.
غياب الرموز
ولفت إلى أن من أسباب قلة الاهتمام باعتصام النهضة وتسليط الضوء على مذبحته الشنيعة “غياب المتابعة الإعلامية وتركيزها على اعتصام رابعة العدوية كون العدد الأكبر والرموز الأشهر تواجدوا فيه”، نافيا وجود سلاح بحوزة المعتصمين.
بينما يشير الحقوقي أحمد مفرح إلى أن غياب التوثيق هو أحد الأسباب الأساسية في تناسي مذبحة النهضة، حيث لم يلق الاعتصام نفس الاهتمام الذي لقيه اعتصام رابعة في هذا السياق.
وأشار في حديثه للجديرة نت إلى أن “أرقام الضحايا في فض اعتصام النهضة تباينت ولم تكن دقيقة، فطبقا للمعلومات المبدئية فإن فض اعتصام النهضة خلف ما يقارب مئتي قتيل، وهي للأسف أرقام مبدئية لم يتم العمل حتى الآن على مراجعتها وتدقيقها بشكل كامل”.
بينما كان عدد من وثقتهم منظمة هيومن رايتس مونيتور كضحايا لفض ميدان النهضة تسعين قتيلا، إضافة إلى مئات الجرحى والمصابين، فيما بلغت أعداد القتلى وفق تقديرات نشطاء حقوقيين أكثر من خمسمئة قتيل وألفي جريح ومئات المعتقلين الذين لم يتم حصرهم بشكل دقيق.
وحسب مدير المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام مصطفى الخضيري، فإن أعداد معتصمي النهضة وصل عصر يوم الجمعة التاسع من أغسطس/آب 2013 -وهو أحد أيام الكثافة العددية- إلى 460 ألف مشارك تقريبا طبقا لمسح ٥٣ باحثا تابعين للمركز.
420 (3)
يظل السؤال حائرا بشأن أولئك المختفين منذ مذبحة رابعة في الـ14 من أغسطس/آب 2013، تتشابه حكاياتهم ومآسي من تركوهم وراءهم في رحلة البحث المستحيلة متعلقين بالرجاء.
تطايرت أنباء بقرب فض اعتصام رابعة العدوية، فهرع محمود إبراهيم من منزله في محافظة الغربية شمالا إلى القاهرة ليطمئن على زوجته رضوى المعتصمة بالميدان منذ شهر ونصف.
وصل محمود للقاهرة فجر يوم الفض، وطالع جحافل الأمن والمدرعات التي بدأت بمحاصرة الميدان، هاتف زوجته، وبعدها بدأ الهجوم الكاسح.
هنا صحا سعيد سيد من نومه فزعا على أصوات طلقات الرصاص المنهمرة عليهم، وسارع رغم سنواته الخمسين نحو المداخل يسدها بجسده وهو يهاتف زوجته رشا المعتصمة في الميدان.
ذاب محمود وسط الجموع بالميدان، وهو الذي كان يستعد لدخول عقده الرابع من عمره غير المعروفة سنواته حتى اليوم، سقط منه جهازه المحمول وتحطم، وكان آخر من شاهده قد لمحه عصرا قرب مسجد رابعة العدوية وفصلت بينهما مدرعة، هكذا روت رضوى للجزيرة نت.
لكن سعيد ظل يطمئن زوجته وأطفاله حتى غروب شمس ذلك اليوم الدامي قبل أن يختفي.
رحلة البحث
قصتان تشبهان قصص 34 مصريا اختفوا منذ المذبحة، وفق تقارير حقوقية مستقلة، قليل علم ذووهم بأنهم في مكان ما بأحد السجون العسكرية.
إحداهن ظلت تتبع القرائن حتى اهتدت إلى أن زوجها في أحد السجون، تحكي للجزيرة نت أنها كانت تتحايل بشتى الحيل لتحضر محاكمات الأفراد، لتريهم صور زوجها حتى قال لهم أحد المحكومين إنه رآه لكنه لا يعرف اسمه، فهو -كالجميع- مجرد رقم.
أخرى ظلت تبحث لعامين حتى قال لها واحد ممن رأى صورته على فيسبوك إن لديه صورة له وهو صريع في دمائه وأراها إياها، لكنها لم تجد جثته، فقالت لأطفاله بفخر إن أباهم شهيد، تماما كما علمت والدة محمد خضر بمصير ابنها واحتسبته شهيدا، وهو ترف لم تملكه زوجات أخريات لا يعرفن ماذا يقلن لأبنائهن: هل أبوهم شهيد يستحق الفخر به أم سجين يرجو النضال لأجله؟
أما رشا فظلت حائرة بين المشرحة والمستشفيات والأٌقسام، وقيل لها في المشرحة “اختاري لك جثة وادفنيها وارتاحي من عناء البحث”، هكذا بكل بساطة يمكن أن يكون أحد المختفين قد دفن باعتباره آخر، كما تقول للجزيرة نت.
وقامت المعامل التابعة لوزارة الصحة بإجراء فحص “دي أن أي” (البصمة الوراثية) فلم تتطابق البصمة لكثيرين مع أي من الجثث، ولديهم شكوك في مدى كفاءة الأجهزة المستخدمة، وبفرض دقة الإجراءات الرسمية فإن ذويهم لاهم قتلى ولاهم معتقلون.. فأين هم؟ تتساءل رشا.
صاحبة حالة مؤسفة، روت بدموعها لرفيقات البحث عن الزوج أن “ضابطا كبيرا راودها عن نفسها، وعرض عليها الزواج محاولا إقناعها بمقتل زوجها أثناء الفض رغم علمه باستحالة زواجها منه لاختلاف الديانتين”، وقال لها إن “فلانة صديقتها عندما دانت له دلها على مصير شقيقها”.
ذوو المختفين منذ فض رابعة لا يزالون يواصلون نضالهم لمعرفة مصير ذويهم (الجزيرة)
رابطة الأمل
ومن أجل محاولة الوصول لبارقة أمل التئم ذوو المختفين في رابطة تحمل اسم “رابطة أسر المختفين قسريا” امتدت لتشمل أسماء اختفت لاحقا، ونظمت فعاليات عدة في مراكز حقوقية، ووقفات على سلم نقابة الصحفيين، وأمام السفارة الفرنسية استباقا لزيارة الرئيس الفرنسي لمصر، ونجحت في نقل قضيتهم إلى الرأي العام المحلي والدولي وكسب تعاطف الأحرار في الداخل والخارج مع قضيتهم الإنسانية، بحسب الحقوقي إبراهيم متولي، وهو والد أحد المختفين.
وتابع للجزيرة نت “لا يزال أهالي المختفين مصممين على مواصلة نضالهم لمعرفة مصير ذويهم على الرغم من تقاعس المؤسسات الحقوقية الرسمية وفشلها في تقديم أي من الجناة للعدالة”.
بدوره، جاء التقرير الأخير للمجلس القومي لحقوق الإنسان صادما لذوي المفقودين، إذ قلل من أهمية القضية، الأمر الذي استدعى ردا فوريا من قبل الرابطة التي أصدرت بيانا أدانت فيه التقرير، فيما قال عضو المجلس جورج إسحق في تصريحات صحفية إن عدد المفقودين لا يتعدى أصابع اليد الواحدة.
تلك الأصابع الأربعة المرفوعة بدم الضحايا النازف في وجه القاتل هي تهمة لرافعها تستوجب المحاكمة، وهي فعل ماسوني برأي بعض مؤيدي النظام الحاكم في مصر، وهي لوحة إنسانية تأبى نسيان المجزرة عند رافضي الانقلاب العسكري.
“رابعة” المشار إليها بأصابع اليد الأربعة (خنصر، بنصر، وسطى، سبابة) ظهرت عقب سقوط مئات القتلى لدى قيام قوات من الجيش والشرطة المصرية بفض اعتصامين لأنصار الرئيس المصري المعزول محمد مرسي في ميداني “رابعة العدوية” و”نهضة مصر” في الـ14 من أغسطس/آب 2013.
ويرتسم شعار “رابعة” في هيئة كف مفتوحة ما عدا الإبهام، مرسومة بلون أسود، وأحيانا تقطر دما على أرضية صفراء، صممته المصممة التركية صالحة إيرين والمهندس التركي جهاد دوليسو.
دأبت المظاهرات التي ينظمها مؤيدو مرسي في مصر وفي مختلف دول العالم بعد ذلك على رفع الشارة، لتصبح رمزا لـ”رفض الانقلاب والتضامن مع شرعية مرسي”.
وعلى مدار ثلاث سنوات استطاعت شارة “رابعة” أن تنضم إلى الشارات الرمزية العالمية التي ابتكرتها توجهات إنسانية مختلفة في ظروف وأوقات متباينة، كشارة “النصر” التي يرمز لها بالحرف (V) باللاتينية باستخدام الوسطى والسبابة، وشارة “القبضة” المعبرة عن القوة في مواجهة الأنظمة المستبدة.
وعند البحث في أصل التسمية لكلمة “رابعة” تعددت الروايات بهذا الشأن، حيث نسب البعض التسمية للإشارة إلى استكمال مرسي ولايته الرئاسية المقررة بأربع سنوات (أكمل سنة واحدة قبل انقلاب الجيش عليه)، بينما أرجعها البعض إلى اسم الميدان الذي انطلقت منه الاعتصامات بعد الانقلاب، وهو الاحتمال الأرجح.
ومع ذلك تجلت “عالمية” الشارة في أكثر من مناسبة ومقام، بدءا من تلويح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بها مرات عدة، كما رفع عضو المجلس الرئاسي البوسني بكر علي عزت بيغوفيتش شارة “رابعة”، ورفعها السيد علي الدين المستشار السياسي للرئيس السنغالي تضامنا مع أنصار مرسي.
وحتى خلال الهبة -التي تشهدها الأراضي الفلسطينية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2015- في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس المحتلة شوهد أطفال فلسطينيون يرفعون شارة “رابعة” في وجه الاحتلال، بحيث بدأت الشارة تسرد قصة الشعوب المناهضة لسلطات تتنكر لحقوقها.
كما سجلت كاميرات الحجاج حمل آلاف الحجيج يوم عرفة مظلات شمسية تحمل الشعار، وظهر أيضا خلال حفل تأبين رئيس جنوب أفريقيا الراحل نيلسون مانديلا في جوهانسبرغ.
تحل الذكرى الثالثة لفض اعتصام ميداني رابعة العدوية والنهضة بينما يواصل القضاء محاكمات المشاركين في الاعتصام في توجه ترى فيه المعارضة ومنظمات حقوقية إمعانا من الحكومة المصرية في الهروب إلى الأمام والتنصل من المسؤولية. ولا يزال القضاء المصري محل انتقاد لإصراره على معاملة المشاركين في الاعتصام باعتبارهم جناة تسببوا في ما سقط من قتلى ومصابين وحل من دمار وخراب جراء تلك الأحداث. ورغم تتابع بيانات منظمات حقوق الإنسان الدولية المختلفة التي تحمّل سلطات النظام المصري بعد انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013 المسؤولية الكاملة عما خلفته عملية فض الميدانين التي سقط فيها مئات القتلى وآلاف المصابين لم يكترث القضاء المصري لأي منها. ولا يزال القضاء المصري -الذي تصفه أغلب التقارير الحقوقية بأنه “مسيس”- يتابع النظر في قضايا تتهم رموزا وأفرادا معارضة شاركت في هذا الاعتصام وفقد بعضها أقرب ذويه أثناء عمليات الفض بارتكاب المجازر التي نتجت عن عمليات الفض متجاهلة أي اتهام موجه لمؤسسات السلطة حينها. ويرى مراقبون وحقوقيون أن النظام المصري يسعى من خلال هذا للتنصل الكامل من مسؤولياته تجاه تلك الأحداث المجرّمة دوليا وقطع الطريق أمام أي محاولة لتحميلهم تبعات تلك الأحداث عبر كيل تلك التهم لرموز وقيادات معارضيه والإلهاء بالسعي لنفي تلك التهم وردها.
توالت ردود الأفعال تجاه عملية الفض الوحشية لاعتصامي رابعة العدوية والنهضة من جانب ساسة وشخصيات عامة، فضلا عن دول ومؤسسات ومنظمات دولية.
فقد وصفت منظمة العفو الدولية في تقرير لها فض الاعتصامات بـ”أحلك أيام مصر”، فيما اعتبرته منظمة هيومن رايتس ووتش جريمة ضد الإنسانية وعمليات قتل جماعي ممنهج.
وأدان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون استخدام القوة والعنف ضد المتظاهرين، وقال “أدين بأشد التعابير حزما أعمال العنف التي وقعت في القاهرة عندما استخدمت قوات الأمن المصرية القوة ضد المتظاهرين”. كذلك قالت مفوضية الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي آنذاك كاثرين آشتون إن العنف لن يؤدي إلى حل، ودعت الحكومة المصرية إلى التحلي بضبط النفس.
وانتقد الرئيس الأميركي باراك أوباما ما وصفها بالخطوات التي اتخذتها الحكومة المصرية ضد المدنيين، ودعا لاحترام حقوق الإنسان والبدء في حوار شامل.
فيما وصفت صحيفة الغارديان البريطانية فض الاعتصامات بالمذبحة التي خلفت ضحايا أغلبهم لم يكونوا مسلحين، كذلك اعتبرته مجلة نيوزويك الأميركية أظلم يوم في مصر، وقال موقع الإذاعة الألمانية “دويتشه فيلله” إنه أحلك أيام مصر في التاريخ الحديث.
وأصدر مكتب رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان بيانا طالب فيه بوقف المجزرة فورا، منتقدا موقف الأسرة الدولية الذي أدى لتشجيع الحكومة المصرية على الفض. وقال الرئيس التركي آنذاك عبد الله غل إن ما حدث في مصر تدخل مسلح ضد مدنيين لا يمكن أن يقبل إطلاقا.
وقال الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية البريطانية إن حكومته تشعر بقلق عميق إزاء التقارير الواردة من القاهرة، داعيا إلى حل سلمي للأزمة.
وعلى المستوى العربي نقلت وكالة الأنباء القطرية الرسمية عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية أن بلاده تستنكر بشدة الطريقة التي تم التعامل بها مع المعتصمين السلميين، بينما أعربت الخارجية الإماراتية في بيان لها عن تفهمها للإجراءات السيادية التي اتخذتها الحكومة المصرية، داعية في الوقت نفسه إلى تجنيب المصريين إراقة الدماء.
وداخل مصر، أذاع شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب كلمة أعلن فيها حزنه لوقوع ضحايا، وحذر من استخدام العنف وإراقة الدماء، داعيا إلى ضرورة اللجوء إلى الحل السياسي والحوار العاجل بين أطراف الأزمة.
وانتقد عدد من النشطاء الحقوقيين المحليين المذبحة، وقال المدون وائل عباس إن أعداد ضحايا الفض لم يسبق له مثيل في مصر منذ حرب أكتوبر 1973 ونكسة 1967، مشيرا إلى أنه حادث إجرامي يجب أن يحاسب مرتكبوه، وأشار الناشط السياسي علاء عبد الفتاح إلى أنها مجزرة أسوأ من الكوابيس والخيالات.
وقال أستاذ العلوم السياسية عمرو حمزاوي إن مذبحة رابعة جريمة بشعة ستظل تلاحق من تورطوا فيها وبرروها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

معارك غزة.. فرق نفسية لمواجهة الميول الانتحارية لدى الجنود الإسرائيليين

السفير – وكالات أكدت صحيفة يديعوت أحرونوت أن قسم التأهيل في جيش الاحتلال الإسرائيلي …