YOUR EXISTING AD GOES HERE

تونس – السفير
بقلم: ظافر بالطيبي
مازلت أتذكر إلى اليوم عندما كانت أحداث الحراك الشعبي في ذروها في سيدي بوزيد وبوزيّان وعندما كانت النفوس تتوجس وتترقب الأحداث وما ستتمخض عنه أحداث الحوض المنجمي وبن قردان مكرر، كان حينها الرئيس المخلوع وخاصة عندما أحسّ بالخطر سريعا في إجراء مجلس وزاري خاص بولاية القصرين بينما تتسارع الأحداث على قدم وساق في سيدي بوزيد، وهو ما طرح عديد التساؤلات لا تفسير لها سوى أنّ الرئيس السابق الفار خشي من عدوى التمرد والانتفاض أن تصل إلى القصرين حينها فقط سيتأكد تحلّل نظامه وتداعيه للسقوط في القريب العاجل. ثم بعدها حث أصهاره وأصحابه منهم صخر الماطري وحمدي المدّب على إعلان مشاريع كبرى لفائدة سيدي بوزيد لإخماد صوت التمرد الذي بدأ يعلو في أرجاء مدنها وأحوازها المهمّشة والغاضبة..ولكن الصوت الذي لا يمكن إخماده تم استفزازه بعد أحداث تالة وقام المخلوع بمغامرة في الجهة كان يعتقد أنها ستكون ضربة قاسمة لأهالي المنطقة الذين خرجوا في الوقت الذي اعتقد الجميع فيه أنّ النظام قد تمكّن من وأد الحراك في مهده ونجح في امتصاص الغضب والحقد المتنامي على نظام 23 سنة من الظلم والاستبداد وتهميش المناطق الداخلية والحدوديّة االتي كان النظام يتعامل معها وكأنها إسطبل حديقته الساحليّة الجذابة.. حينها تفاجأ النظام واهتّز عرش الدكتاتور عندما خرج تلامذة واهالي تالة يسبون الطرابلسية وزوجة الرئيس لأوّل مرة في مظاهرة شعبية جماهيرية فتم التعامل معها بكل قسوة وعنف وهو ما أجّج من مستوى الاحتجاج لاسيما وأنّ أهالي المنطقة لا يقبلون الدم إلا بمثله فاهتزت لتالة بقية الجهات ودخل مركز الولاية دائرة اللعبة الصعبة حيث تحركت أكثر أحياء القصرين شعبية وغلا على النظام مع باقي المكونات الأساسية للجهة من نقابات ونشطاء ومعارضين وطلبة وعاطلين عن العمل فكانت مظاهرات صاخبة وساخطة لم يشهد لها تاريخ تونس الحديث مثيلا.
وكانت فيها المعركة الحاسمة لاسيما بعد نزول القناصة المشبوهين المرتزقة على أرض القصرين حيث كانوا شرارة اندلاع ثورة عارمة في كل البلاد. والذين مازال ملفهم إلى اليوم يعدّ من “أسرار” الدولة أو لعلها أسرار “المجموعة الدوليّة” اللاعبة على ميدان تونس الخصب بالثروات والمقدّرات المكتشفة حديثا والتي لابد لها من “مخرج” و”مستخرج”..
ورغم مخاوف نظام بن علي منذ البداية من القصرين إلاّ أنه وقع في الفخ في نهاية الأمر بسبب غبائه وعناد مستشاريه وأعضاده الذين نصحوه باستعمال العنف من أجل هيبته وهيبة نظامه الذين اعترف بخطئهم في خطاب 13 جانفي الشهير وقام بإبعادهم وأعلن نيته محاسبتهم وأكد أنه لا رئاسة مدى الحياة في إشارة إلى نيته التنحي وعدم الترشح لانتخابات 2014.. فكان للقصرين وأهلها الذين إذا صبروا صبروا صبر الجمال وإذا ثاروا أثاروا الحرب والثارات ولا يرضون بغير النصر والانتصارات.إلاّ أنّ اللاعبين القدم الجدد على الساحة الحالية لم يغيروا كثيرا في التكتيك فيما يتعلق بكيفية التعامل مع الملف الرسمي للبلاد من خلال قلب الدولة النابض ووسطها الحدودي الهام والمحوري في الربط بين شمال البلاد وجنوبها وحدودها الإقليمية. فكان جبل الشعانبي الذي تعرف المخابرات الدولية تفاصيله وأحجاره وأشجاره أكثر مما يعرفه التونسيون أنفسهم، هو كلمة السر والعبور إلى مخطط ما بعد قلب نظام الحكم وتغيير الخارطة السياسيّة في بلد يعد بوّابة أوروبا ومعبر الغرب للمشرق والعمق الإفريقي الخام والذي يعتبر ثروة للشركات الأجنبية ومصلحة استراتيجية عليا لا تنازل عليها مهما كانت التكاليف.إنّ ما يحصل اليوم في القصرين ليس بالمصادفة ولا هي عفوية أحداث ومناخات اجتماعية وتجاذبات سياسيّة بقدر ماهي لعبة سياسوية استراتيجية المصالح والأبعاد وذات معادلة إقليمية ودوليّة صعبة لا يمكن لكل من هب ودب فهمها أو اكتشافها واستيعاب تفاصيلها العميقة والمعقّدة. وأخص بالذكر الملف الأمني الذي سيبقى فزاعة لإخافة وإرهاب الأهالي أنفسهم من وهم لا يوجد إلا على أوراق التقارير الاستخبارية والمخططات الاستراتيجية الدوليّة التي تريد تخدير العملية السياسيّة في تونس والتقدم الفعلي للبلاد نحو المسار الانتقالي الحقيقي نحو النمو والاستقلالية لصالح مخطط حكم جديد يقوم أساسا على فكرة استبدال “المناديل” بعد استعمالها واستهلاكها ونفاد صلوحياتها والإفادة منها. وما على أهل القصرين وشبابها ونشطائها اليوم إلاّ التأكّد أن الإرهاب ماهو إلا الفزاعة التي تغرس في أرض المحاصيل كي لا تأكل منها العصافير الجائعة وأنه صناعة محترفة من أطراف ذات خبرات في التضليل والاستدارج والتفكير والتحليل بعد الدراسة والتنظير وبدء التنفيذ. وما على أهالينا في كل تونس الحبيبة إلا التعامل بشجاعة مع الملف الأمني وعدم الخوف من الإرهاب أو مقايضة الثورة والحريّة والفسحة التي تمر بها بلادنا اليوم بأمن موهوم مزيّف يستغل دماء الأبرياء والمغدورين وسذاجة العوام وحماسة الشباب من أجل حبك تفاصيل مؤامرة لم يعد يشكك فيها بعد كل الذي جرى ويجري إلا أصحاب العقول المجمدة والمخدّرة أو الهاربون من أنفسهم والخائفون من ظلّهم في الليلة المُقمرة..
القصرين كانت ومازالت قلب تونس النابض وسيعلم اللاعبون الهواة منهم والمحترفون والسذّج منهم والمجرمون أنّ التاريخ لن يعيد نفسه بكل تفاصيله وأنّ معادلة اليوم تختلف عن معادلة الأمس وأنّ شباب اليوم ليس كشباب الأمس ولينتظر العابثون بأمن المسالمين أياما ليست كأيّام صانع تغييرهم ولا قائد عصاباتهم المحلية والإقليمية والدولية.. وستبقى القصرين الرقم الذي لا يقبل الاقتسام والذي تعيي أرقام فواصله المحللين والطامعين..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

تمديد الاحتفاظ بإطارين من وزارة المالية بشبهات فساد

تونس – السفير  أذنت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس لأعوان الوحدة الوطنية…