YOUR EXISTING AD GOES HERE

تونس – السفير – سفيان كرباع
برج علي الرايس قضية تعود أحداثها إلى سنة 1965 ولازالت شظاياها إلى يومنا هذا تحرق من طالته يد الظلم والطغيان .ملف من ملفات جرائم بورقيبة لم تفتحه العدالة الانتقالية بعد وحقوق ضائعة لأبرياء لا ينتظرون سوى إعادة الاعتبار لهم والاعتراف بخطأ اقترفته الدولة في حقهم. شهادات حية تروي بدموعها لنا ماذا حدث في ذلك الوقت وهي لا تريد أن تسافر بهم الذاكرة إلى نفق تاريخ مظلم ومصير مؤلم.
برج علي الرايس من منطقة الوردية عرفت فترة حكم بورقيبة باحتوائها لليوسفيين نسبة لصالح بن يوسف، إذ كان المكان مقسوما بين اتجاهين من اليوسفيين و”الدساترة”. ولم يقطع الاستقرار الذي يسود المكان إلا رواج نبأ عن نية اغتيال بورقيبة في هذه المنطقة عبر جماعة يقودها لزهر الشرايطي سنة 1963 ، لتمر الأيام ويعود الأمن ومعه الجيش و الحرس فيشن حملة أمنية واسعة في المنطقة أتت على الأخضر واليابس وذلك بتخطيط من بشير زرق العيون، رئيس المجلس الاستشاري للمقاومين والذراع اليمنى لبورقيبة في ذلك الوقت، لتنتهي هذه الحملة بقرار تهجير هذه المنطقة وهدم منازل متساكنيها. هذا الأمر أشعل موجة من الاحتجاجات تطورت لمواجهات عنيفة ودموية دامت ثلاثة أيام أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى. ولم يزد اشتعال فتيل المواجهات بالنسبة لقوات الأمن إلا إصرارا على تصفية هذه المنطقة وهدم بيوت الناس دون اعتبارات إنسانية لم تفرق بين الكبير والصغير ولا الشيوخ و الشباب ولا البريئ و المتهم، لتكون الحصيلة قطع أرزاق وتشتت أسر وتشريد عائلات وتيتيم أطفال مخلفين بذلك مأساة إنسانية. قليل من الذين عاشوا هذا التاريخ هم على قيد الحياة لكننا بحثنا عنهم ووجدناهم و سيقدمون لنا شهاداتهم و وروايتهم للأحداث في قضية برج علي الرايس.
ضحايا أبرياء
فاطمة الطرابلسي تجاوزت العقد السابع من عمرها روت لنا تفاصيل مقتل زوجها من طرف الحرس في إطار الحملة الأمنية التي تم شنها على منطقة برج علي الرايس، إذ عند عودته من عمله الليلي فجر يوم ما اعترضه الحرس في طريقه وبمجرد انه كان من سكان المنطقة تعرض للضرب حتى الموت ليترك ابنته وهي في سن الواحدة و أختها وهي في بطن أمها يتيمتين. ولم يكتف الأمن بهذا بل قام أيضا بهدم منزلها فيتركها هي وابنتيها دون عائل ولا مأوى. كما كانت خالتي فاطمة شاهدة على جرائم أخرى ارتكبها الأمن منها امرأة تصدت لعربات الهدم فصعدت على الجرافة ولم تنزل احتجاجا على ذلك فكان أن دفعت ثمن استبسالها بان تم شرخ بطنها وهي تحمل فيها توأمين دون شفقة ولا رحمة. كما لقت امرأة أخرى حتفها حين تصدت للأمن الذي اقتحم المنازل فكان ان كان مصيرها القتل فوق سطح منزلها وهي تسكن مع عجوز و طفلين. حسن بن مبروك 69)سنة ( كان شاهدا آخر فقد فقد عينه اليسرى أثناء المواجهات بين المواطنين والأمن في ذلك الوقت وهو في سن الثانية والعشرين إذ تلقى شيئا في عينه وهو في غفلة من أمره، وهناك أيضا من وجد ميتا في قنوات تصريف المياه بعد وقوعه فيها هربا من مطاردات الحرس في ذلك الوقت.
اعتقالات وتعذيب
من بين الأشخاص الذي تحملوا عبئ سنوات السجن ظلما وجدنا احمد برينيس الذي قال لنا انه اعتقل بدون سبب ولا أدلة وهو العامل البسيط الذي يبحث عن قوت يومه فكان جزائه السجن. فبعد أن بقي سنة كاملة في حالة إيقاف تعرض أثناء فترة سجنه للتعذيب والمعاملة السيئة في ظروف غير إنسانية بلغت تحت الأرض 45 درجة في مساحة متر مربع، مع تجريده من حقوقه في الزيارة والقفة وغيرها. حتى بعد خروجه من السجن بقي السيد برينيس تحت المراقبة لمدة عشر سنوات شملت حتى أبنائه. ومن الأبناء أيضا البشير بن محمود الذي كان شاهدا على جده الذي توفي بعد عشر سنوات من خروجه من السجن وقد تأثر بالتعذيب وسوء المعاملة وهو الذي لم تكن له علاقة بمنطقة ببرج علي الرايس كما قال لنا حفيده. وممن أضاع السجن شبابه التقينا السيد حسن العياري الذي حكم عليه بخمس سنوات سجنا قضاها في “السيلون” وهو المكان الذي يفترض أن يسجن فيه مرتكبو جرائم القتل، حار بالصيف وزمهرير بالشتاء، لا يأكل إلا رغيفا يابسا من الخبز وهو العامل اليومي البسيط الذي أخرج من داره بعد اقتحام الأمن لمسكن عائلته. وقد أكد عم حسن انه أثناء التحقيق مع الموقوفين ارغم البعض على الاعتراف بأشياء لم يقترفوها تفاديا لمزيد التعذيب.
محاكمات سياسية
يقول محمد السبوعي سجين هذه القضية وهو في سن السابعة عشر أن عمره في ذلك الوقت كان يجب أن يمنع محاكمته عبر المحكمة العسكرية طبقا للقوانين المعمول بها ولكن القضية كانت تصفية سياسية وليست حق عام فكانت النتيجة أن تسعة عشر شخصا تم اعتقالهم في ذلك الوقت. وقد تراوحت الأحكام التي أصدرتها المحكمة العسكرية بالسجن من سنة إلى عشر سنوات سجن مع المراقبة لمدة عشرين عاما وهي احكام مزيفة بدون مرافعة المحامين الذين كلفتهم الدولة بالدفاع عنهم على حد قول المتضرر. كما ذكر لنا السيد السبوعي أسماء بعض المسؤولين المتورطين في هذه الجرائم فمنهم الباجي قائد السبسي المدير العام للأمن والبشير زرق العيون ومحمد علي القصري وحمدة الموفق ومحجوب بن علي آمر الحرس في ذلك الوقت.
منطقة مهمشة
بعد الحملة الأمنية والسياسية التي استهدفت برج علي الرايس، أصبحت المنطقة تعاني من التهميش والحرمان التنموي حتى وصل الأمر إلى أن تم استغلال المصلحة العامة كتعلة لفك أرزاق وممتلكات الناس و تأميمها للدولة مثلما هو الحال بالنسبة لمقبرة المكان التي أكد لنا احد متساكني المنطقة أنها على ملك وزارة البيئة اضافة الى استحواذ عائلة الطرابلسي في عهد المخلوع على منطقة من الجبل وذلك لإقامة منتزه، كما اضاف محدثنا بان أهالي برج علي الرايس إلى يومنا هذا لا يمكنهم الحصول على شهائد ملكية ولا التمتع بحق امتلاك وشراء الأراضي والعقارات. وحتى الشكاوي والعرائض التي قدمت ضد التجاوزات التي تحصل في المنطقة فهي لا تجد الآذان الصاغية بسبب وجود مسؤولين تجمعيين ومنها معمل الفارينة والذي يساهم في تلويث بيئة المنطق بشكل مستمر.
عدالة انتقالية
أرواح أزهقت وحقوق أضيعت وعائلات تشردت، كلها أصوات تطالب من العدالة الانتقالية إعادة الحكم في هذه القضية ورد الاعتبار للمتضررين والاعتراف لهم بخطأ ارتكبته الدولة في حقهم، جثم على قلوبهم دهرا ليطلق نداءا بان نصرة المظلوم واجبة وإرجاع الحقوق لأصحابها لا بد منه، بد الموت من الحياة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

تمديد الاحتفاظ بإطارين من وزارة المالية بشبهات فساد

تونس – السفير  أذنت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس لأعوان الوحدة الوطنية…