YOUR EXISTING AD GOES HERE

تونس – السفير
بقلم : صالح عطية
تدخل الطبقة السياسية التونسية غمار الانتخابات الرئاسية المقررة ليوم 23 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، وهي مشتتة بين وضعيتين خلفتهما الاستحقاقات التشريعية الماضية : واحدة منتشية بالفوز بأغلبية غير مريحة، (حركة نداء تونس تحديدا)، بما يعني عودة المنظومة القديمة في شكل وإخراج جديدين، وثانية تبدو مصدومة بهذه النتائج، سواء تعلق الأمر بحركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية، التي رغم حصادها لنحو 69 مقعدا برلمانيا (الثانية من حيث القوة البرلمانية)، فإنها لم تستوعب نتيجة عملية الاقتراع، ومن ثمّ عدم عودتها السريعة إلى منظومة الحكم، كما كانت تتوقع، أو تلك الأحزاب العلمانية الوسطية أو المعتدلة، التي اكتفت في مجموعها ببضعة مقاعد لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، وأحدها (التكتل الديمقراطي) الذي كان ضمن الترويكا الحاكمة بقيادة حركة النهضة، ويجد نفسه اليوم خارج البرلمان أصلا، ضمن حركة سقوط مدوّ طالت معظم الأحزاب العلمانية و”الديمقراطية” في مشهد تراجيدي يطرح أكثر من استفهام حقيقي..
أسئلة حارقة
1 ـــ لماذا رفض الناخبون التونسيون التصويت لهذه الأحزاب المعروفة بنضاليتها زمن حكم الديكتاتور، على غرار الحزب الجمهوري (الحزب الديمقراطي سابقا)، والتكتل الديمقراطي، وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، والتحالف الديمقراطي (وليد المجلس التأسيسي) ؟
2 ـــ هل المشكل في الناخبين أم في هذه الأحزاب ؟
3 ـــ هل كان التصويت ضدهم عقابيا على مواقفهم ودورهم وخطابهم خلال الأعوام الثلاثة الماضية من الفترة الانتقالية ؟
4 ـــ ما الذي جعل هذه الأحزاب تتدحرج في وضع سحيق على مستوى موقعها في المشهد السياسي الوطني بحصاد “الصفر فاصل” أو تكاد ؟
5 ـــ وهل بإمكانها التموقع من جديد ضمن الخارطة المشهدية السياسية الجديدة التي أفرزتها انتخابات أكتوبر الماضية ؟ وضمن أية سياقات ؟
لا شك أن مراجعات هذه الأحزاب لأسلوبها ومواقفها وخياراتها ونهجها السياسي، تبدو مؤجلة لفترة لاحقة، بحكم انخراطها السريع، في الاستحقاقات الرئاسية، وربما بحثها عن فوز تستبدل به فشلها الراهن، بحيث يتيح لها العودة للعب دور ضمن السياق السياسي الجديد..
لكن هل كان هذا الفشل عاديا، ومن السهل على المرء القبول به بالصورة التي يحاول البعض أن يقنعنا به، ويقدمه لنا على أنه حصيلة طبيعية لنتائج الانتخابات ولإرادة الشعب ؟
في الواقع، تبدو هذه المسوّغات خارج سياق الحقيقة.. وهناك في هذه الأحزاب رغبة شديدة للحفاظ على نوع من النمطية الفكرية والسياسية والتنظيمية التي أوصلتها إلى هذه الوضعية، وحرص أشدّ على عدم التزحزح عنها، لأنها عنوان “الحداثة” و”التقدمية” و”الثورية” وما إلى ذلك..
أسباب رئيسية
لقد فشلت هذه الأحزاب لاعتبارات كثيرة لعل من أهمها :
++ رفعها شعار الديمقراطية في المجتمع، فيما هي غير ديمقراطية في داخلها، أحزاب ما تزال تدار بعقلية الزعيم والقائد والرئيس، وهو الذي يحدد وجهتها وبوصلتها السياسية والتنظيمية وأفقها الفكري..
++ ادعاؤها الحداثة الفكرية والسياسية والاجتماعية، لكنها في واقع الحال، لم تستفد إلا من قشور الحداثة، ولم تنظر للحداثة إلا باعتبارها نفي للآخر السياسي الذي يقاسمها الانتماء لذات الوطن، رغم أنه يختلف عنها في المرجعية والأفق الفكري والسياسي..
++ إصرارها على “الاختيار الصفر” كما سماه الدكتور احميدة النيفر، بما يعني قطيعتها المرجعية مع البوصلة الحضارية والثقافية للمجتمع التونسي، وهو ما يعكس مشكلا حقيقيا في التعامل مع الوضع التونسي وملابساته والهضم الفاعل للتحولات التي تجري فيه..
++ أن هذه الأحزاب لم تقم منذ عشرين عاما ـ على الأقل ـ بمراجعات فكرية وعقائدية تسمح لها بالانطلاق مجددا برؤى وتصورات ومقاربات “محايثة للواقع”، كما كان يقول الراحل ياسين الحافظ، لذلك ظلت تصوراتها معزولة عن واقع ثقافي وحضاري، لا تبدو مهيأة للتعامل معه وفهمه في خصوصيته وميكانيزماته الداخلية..
++ لم تجدد هذه الأحزاب قياداتها التي ظلت على رأسها لفترة تتجاوز الأربعين عاما، وحاولت أن تستثمر ذلك في مناخ الثورة والاستحقاقات الانتخابية، لكن النتيجة كانت عكس التيار الذي أرادت أن تقنع به لفيف الشبان والمواطنين الذين التحقوا بها بعيد الثورة، معلقين عليهم آمالا يرونها اليوم قد تبخرت..
++ ظلت هذه الأحزاب حبيسة مرجعية إيديولوجية قديمة لم تعد مستهلكة حتى ضمن فضائها الثقافي والسياسي الذي نشأت فيه قبل قرون..
++ تعوّد هذه الطبقة السياسية على التسوية في الغرف المغلقة، فالاستبداد فرض عليها نمطا من الفعل السياسي السري، وحرمها من المشاركة الواضحة في المواعيد السياسية والانتخابية، وبالتالي لم يوفر لها فرصة التعامل الحر والعلني مع الواقع السياسي ومكوناته، بما جعلها تفتقر لتقاليد العمل الجماعي، وغير قادرة على صياغة تحالفات سياسية يحتاجها الواقع، ويتطلبها وضع هذه الأحزاب وعملية تطورها الطبيعي المفترضة، مثل كل الأحزاب في العالم الديمقراطي..
بالتأكيد، أحدثت انتخابات 26 أكتوبر الماضي، زلزالا سياسيا صلب هذه الأحزاب، بعد أن كشفت النتائج عن تراجع رهيب في مستوى حضورها الشعبي وثقلها الإنتخابي، ولم ينفعها البتّة وصفها بـ “الديمقراطية” أو”الوسطية” أو “الحداثية” أو”العلمانية”، بل ربما كانت مثل هذه التعريفات “وبالا” عليها، لأنها تصطدم بمخيال شعبي لا يفقهها، ووعي سياسي لا يهضمها، وثقافة حضارية لا تستسيغها، ومن هنا تبدو هذه المكونات السياسية والفكرية أحوج ما تكون إلى إعادة النظر في سياقاتها التنظيمية، ومقارباتها الفكرية ومواقفها السياسية، بشكل يسمح لها بالمصالحة مع الأرض الذي تتحرك عليها، أو تريد أن تكون فاعلة فيها..
فهل هذا ممكن بالنسبة لهذه المكونات السياسية ؟
سؤال ستجيب عنه المرحلة المقبلة.. ولعلها لن تطول كثيرا لأن المسألة تتعلق بوجود هذه الكيانات واستمرارها في المستقبل..
11 ـ 11 ـ 2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

تمديد الاحتفاظ بإطارين من وزارة المالية بشبهات فساد

تونس – السفير  أذنت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس لأعوان الوحدة الوطنية…