YOUR EXISTING AD GOES HERE

تونس – السفير الدولي
كتب للسفير: توفيق الحميدي (ناشط سياسي وحقوقي يمني)
توفيق الحميدي
منذ تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز حكم المملكة العربية السعودية خلفا للراحل الملك عبدالله بن العزيز، عادت المملكة العربية السعودية إلى الواجهة السياسية وتصدرت نشرات الاخبار من خلال القرارات السريعة والحازمة التي اتخذها الملك سلمان وأثارت ردّة فعل كبيرة على مستوي المنطقة عامة أو السعودية خاصة ما جعلني أصفها بانها بمثابة ميلاد رابع للمملكة العربية السعودية التي أسسها الملك الراحل المؤسس عبدالعزيز ..
السعودية …محطات الميلاد
منذ الميلاد الأول للمملكة العربية السعودية (إمارة الدرعية) في عام 57 11هـ / 1744 م على يد المؤسس الأول محمد بن سعود وحتى اليوم مر ميلاد المملكة السعودية بثلاث محطات كبرى، فبالإضافة إلى محطة الميلاد الأولى لإمارة الدرعية تأتي محطة الميلاد الثانية لإمارة (نجد) والتي كانت عقب سقوط إمارة الدرعية واستمرت حتى إلى 1308هجرية -1891م أما محطة الميلاد الثالثة والاهم فتمثلت بالميلاد الثالث للمملكة العربية السعودية بصورتها الحالية علي يد المؤسس الحالي الملك الراحل عبد العزيز آل سعود عام 1319هجرية – 1902ميلادية حيث استطاع توحيد إمارتي نجد والحجاز وأعلن ميلاد المملكة الثالث تحت اسم المملكة العربية السعودية بعد أن استطاع أن يتجاوز كثيرا من التهديدات والعوائق التي كانت تهدد مشروع قيام مملكته حيث انتهج الملك عبد العزيز سياسة قائمة على الحزم العسكري مع الأعداء و الخصوم واللين والانفتاح مع الجوار والموالين حتى استطاع توحيد كل القبائل في الدولة الوليدة. ومنذ ذلك الحين سارت المملكة على الأسس التي أرسى مداميكها المؤسس عبدالعزيز وحدد آلية انتقال السلطة من السلف إلى الخلف والقائمة على قيام الملك المختار باختيار ولي للعهد من إخوانه أبناء المؤسس عبد العزيز .. ويؤخذ له البيعة من الأسرة والشعب السعودي على حد سواء..
كما انتهجت المملكة سياسة داخلية وخارجية قائمة على لعب دور محوري في قضايا الأمة العربية لما تتمتع به السعودية من موقع جغرافي ومكانة روحية تعزز هذا الدور وبظهور الطفرة البترولية جعلت من المملكة قوة اقتصادية ومالية ساعدتها في مد نفوذها وتأثيرها في العالم العربي والاسلامي.
السعودية… وتخبط سياستها الخارجية
اتسمت السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية خلال العشر السنوات الماضية بالضبابية تجاه كثير من الاحداث العربية وارتسمت صورة سلبية لدى المواطن العربي خاصة القضايا المحورية حيث كانت مواقفها في كثير من الأحيان ينظر إليها كمواقف مصادمة وعدائية للقضايا المصيرية للأمة العربية والإسلامية كموقفها من حرب تموز ٢٠٠٦م في لبنان، وموقفها من غزة وحكومة حماس وأخيرا موقفها من ثورات الربيع العربي الشعبية حيث صنف موقفها بأنه منحاز للثورات المضادة لثورات الربيع العربي وشريكة في حالة الفوضى التي تعيشها بلدان الربيع العربي كما أنها ارتكبت أخطأ غير مبررة بعدم القيام بدورها في مناطق نفوذها الجيوستراتيجية كاليمن والعراق ما جعل السعودية تفقد الكثير من رصيدها الشعبي وتترك فراغا كبيرا مكن للنفوذ الايراني العدو التقليدي للسعودية والعالم العربي من التمدد فيه..
السعودية ..الانكفاء نحو الداخل
لقد انشغلت المملكة السعودية خلال الفترة الماضية بقضاياها الداخلية وبالذات قضية انتقال الحكم داخل الأسرة من الجيل المؤسس الي الجيل الخلف بسبب مرض الملك وولي العهد ما جعل شخصا كمدير مكتب الملك الراحل عبدالله خالد التويجري يقامر و يغامر بمستقبل المملكة لأجل حسابات ضيقة اخذت المملكة بعيدا دورها القومي والريادي في تبني قضايا الامة. إضافة إلى انشغالها بملف محاربة الإرهاب وتفكيك خلاياه التي تشكل تهديدا لأمن المملكة كل ذلك كان على حساب القضايا الكبرى وأمنها القومي في اليمن وسوريا ومصر وغيرها..
فمنذ مرض الملك عبد الله كان هناك شعور عميق وقلق لدى المهتمين بقضايا الصراع السني الشيعي بأن العصر الذهبي للملكة أوشك على الأفول وأن حدة الصراع على الحكم وانتقاله إلى جيل جديد سيشكل أولوية المملكة القادمة وستغرق في قضاياها الداخلية تاركة فراغات كبيرة ومساحات مهمة ستكون بلا شك لصالح النفوذ الإيراني في المنطقة الذي بدا واثقا من انتصاراته وتمدد نفوذه وسيطرته على الممرات المائية الدولية بعد سقوط العاصمة اليمنية صنعاء بيد ذراعه في اليمن (الحركة الحوثية) وأضحت السعودية محاصرة من الحديقة الخلفية لها …
الملك سلمان …وتدشين ميلاد المملكة الرابعة
شكل وفاة الملك عبدالله بن عبد العزيز نقطة فارقة في مسيرة المملكة السعودية السياسية حيث باشر الملك سلمان سلسلة من القرارات السريعة حملت معها مفاجآت كبيرة للمراقبين للشأن السعودي لم تكن متوقعه لقد استطاع الملك سلمان ان يقدم نفسة كحاكم استثنائي لن يكتفي بقضاء فترة على كرسي المملكة وسيرحل.. لقد بدا الملك من خلال قراراته انه يقود ثورة تغييرية صامتة داخل الاسرة السعودية ونظام الحكم القائم تؤسس لميلاد جديد للمملكة يتناسب مع تحديدات المستقبل فمقدار الارتياح الذي لاقته القرارات الملكية داخل النخب السعودية وخارجيا كشفت مقدار الانتظار لهذه اللحظة التي لم يتمناها الخصوم التقليديين للمملكة والامة الاسلامية والعربية.
لقد انهت القرارات حالة الاستقطاب الداخلي وفتحت الباب لانتقال المملكة الي حكم الجيل الثاني والثالث للأسرة الحاكمة بسلاسة ويسر وخلقت مزيج من الخبرات حيث استطاع الملك سلمان مع الفريق الشاب الذي يتزعمه وزير الداخلية محمد بن نايف وولده محمد بن سلمان وبسرعة قياسية وحازمة العمل على تنظيف مؤسسة الحكم من الفريق الذي استغل مرض الملك عبدالله وعمل على الذهاب بسياسة المملكة بعيدا عن دورها الريادي وجعلها لأجندة بعيدة عن التحديات الإقليمية والدولية وساهم في تحجيمها من أداء دورها الريادي بل جعلها في أحيان كثيرة تابعة لسياسة دول أقل منها في الحجم والتأثير …لقد اتسمت قرارات الملك سلمان التي استهل بها تباشير فجر حكمه بقبول شريحة كبيرة من الشعب السعودي كونها عكست التوجه الجاد للملكة السعودية في المرحلة القادمة من خلال تشبيب مؤسسة الحكم بجيل جديد ينتمي إلى جيل الأحفاد وعلى رأسهم محمد بن نايف كما أن التغييرات والقرارات التي طالت العديد من المستويات كشفت عن نية العهد الجديد بعودة المملكة إلى حاضنها الشعبي الذي افتقدته بقرارات الإقصاء والإبعاد لأصحاب التوجه الإسلامي وعلى رأسهم إمام الحرمين الشيخ السديس ..كما أن العهد الجديد للملك سلمان وبنفس السرعة المعهودة بدى وكأنه في سباق مع الزمن لإعادة ترتيب تحالفاته الخارجية من خلال العودة إلى التحالف القطري التركي وهو توجه يعود بالمملكة إلى ميدانها الطبيعي ميدان الانتصار لقضايا الأمة العربية والإسلامية… والذي يبدو لنا من خلال الفترة القصيرة وحزمة القرارات الإصلاحية التي صدرت أن التيار الجديد كان على يقضه تامة وإحاطة شاملة بما يُخطط للمملكة وإلى أين سيقودها هذا الخط فجاءت عاصفة الحزم العسكرية بنفس المفاجأة والقوة لإعادة التوازن السريع للمملكة في سياستها الخارجية مع إيران وإنهاء حالة الاستقطاب التي أبدتها طهران في بعض العواصم القريبة من الرياض بسبب غياب المملكة في الفترة التي سبقت الملك سلمان .. لقد جاءت عاصفة الحزم في الزمان والمكان المناسبين حيث أعادت المملكة إلى المشهد بصورتها الجديدة والمطورة. صورة القوة والأنياب بجوار اللين والمال
الملك سلمان ….وعملية الاصلاح الخاطفة
اليوم وربما بنفس القوة والجراءة يصدر الملك سلمان قرار بإعفاء اخية الامير مقرن بن عبد العزيز من ولاية العهد واسناد المنصب للأمير محمد بن نايف وتعين محمد بن سلمان ولي للعهد الرجل القوي الذي برز الي الواجهة من خلال عاصفة الحزم وكذلك اعفاء اقدم وزير خارجية سعود الفيصل وتعيين وزير جديد من خارج الاسرة الحاكمة وهو السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير وثلاثي التغيير يجمع بينهم التشبيب والعداء لإيران ما يعكس توجه المملكة في المرحلة المقبلة بتصدرها قيادة المشهد السياسي والعسكري علي مستوي الصراعات القريبة علي الاقل من ساحة المملكة وهذا القيادة تتطلب قيادة شابة وجادة ومبدعة في التفكير والاداء اضافة الي ان القرارات ستصب في صالح التحالف الجديد القطري التركي علي حساب قوي اخري كالإمارات ومصر ….ولا اعتقد ان الامر سيتوقف عند هذا الحد وستستمر سلسلة التغيرات الحذرية والعميقة لنري وجوة جديدة محسوبة علي تيار الاصلاح السليماني ان جاز التغيير وتنحية رموز التيار السابق تيار متعب والتويجري من خلال المنظومة التي تشكل لهم حاضنة فقد نشهد قرارات من قبيل الغاء وزارة الحرس الوطني الذي بترأسها الامير متعبد بن عبدالله بن عبدالعزيز وضمها الي وزارة الدفاع …
الملك سلمان.. وتحدي انتقال الحكم لجيل الجديد
نستطيع ان نقول ان السعودية بهذه التغييرات السريعة والقوية خلال الفترة الوجيزة لتولي سلمان الحكم قد دشنت مرحلة ميلاد رابعة في تاريخ مسيرتها الطويلة ولا نستبعد ان يفاجئ الملك سلمان الجميع قبيل شروق شمس ذات صباح عن تنحية من حكم المملكة السعودية لصالح احد الوجوه الشابة فبحسب خطاب التغييرات الجديدة كان واضحا ان الملك متجه نحو افساح المجال للكفاءات الشابة والقدرات السعودية القادرة علي العطاء ولو من خارج الاسرة الحاكمة .فالتوجه الجديد للملكة والطموح بحاجة الي مثل هذه القيادات.
فالمملكة اليوم مطالبة بالإقدام علي تبني مشروع سلمي مدني حضاري يتناسب مع تحدي المرحلة المقبلة ويركز هذا المشروع بإعادة هيكلة الثقافة الرسمية والشعبية للمجتمع السعودي بما يتناسب والتطورات العالمية والاقليمية فالمرحلة المقبلة لن تكون سهلة والتآمر سيزداد وقد يواجه الحكم والشعب السعودي ايام شديدة راس حربته التحالف الشيعي الداعشي والتأمر الدولي وهذا يتطلب تهيئة المجتمع نفسيا وفكريا ..فسلمان اليوم علي خطي فيصل بالأمس …ولذا لابد من مشروع حضاري واضح الملامح يرتكز علي الهوية والوسطية والحريات والتقشف واعداد نفسي وفكري للفرد السعودي بما يتناسب مع المرحلة يواكبه منهج تعليمي خطاب اعلامي جديدين فالسعودية دولة زاخرة بعلمائها ومفكريها اضافة الي رسم خطة صناعية استراتيجية خاصة بالأمن الغذائي والعسكري تدخل بالسعودية في القريب عالم الكبار في التقنية العسكرية والغذائية .فهذا المشروع كفيل بتشغيل كافة الطاقات…
.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

معارك غزة.. فرق نفسية لمواجهة الميول الانتحارية لدى الجنود الإسرائيليين

السفير – وكالات أكدت صحيفة يديعوت أحرونوت أن قسم التأهيل في جيش الاحتلال الإسرائيلي …