YOUR EXISTING AD GOES HERE

تونس – رأي السفير
بقلم: عبد الحكيم قعلول (باحث جامعي تونسي)
لم تفلح القيادات الشعبية و الشابة لثورة 14 جانفي في تسلم السلطة في تونس، وتأسيس شرعية ثورية، تمهد لعقد اجتماعي جديد بين أبناء الوطن ، وذلك بانقضاض الكيان العميق للدولة على مفاتيح التغيير الجذري الذي كان مطلوباً عقب نجاح الثورة ، وإيهام الثائرين بتلازم إرادة هذه القيادات مع إرادة الثائرين في الميادين، وهو ما أثبتت التجربة الواقعية عدم صدقيته، كما سيحصل بعد الانتخابات الاولي، فلقد أخفق التيار الجديد في الحكم في تحقيق النتائج التي ناشدتها جماهير الشعب التونسي في الثورة ، لأسباب ذاتية وموضوعية متداخلة ومتشابكة، تتعلق أساساً بتفسير هذا التيار قواعد اللعبة الديموقراطية، وبشكل أكثر جوهرية بانحناء ذلك التيار براغماتياً لإرادة القوي المضادة للثورة والاقلمية والعالمية، وقبوله تحمل عبء تحقيق أهداف الثورة جميعها من دون توفر الأرضية الطبيعية التي تمكنه من تحقيق ذلك، وبحيث ترك ليواجه المصير المحتوم لذلك الخطأ التاريخي، والذي شكل المقدمة التأسيسية لاستبطان الوعي الشعبي التبسيطي والتعميمي في غالب تجلياته، بأن الإخفاق في تحقيق أهداف الثورة في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، هو إخفاق لتيار الجدد، والذي انعكس في الانتخابات الثانية.
وكما يبدو للمتابع المدقق فيما يجري على الساحة التونسية، من الواضح أن تسلم قيادات النظام البائد والبورقيبي زمام السلطة فعلياً ليس كافياً بحد ذاته، لتحقيق هدف إعادة الشعب التونسي العظيم إلى حظيرة الاستبداد، لأسباب تتعلق بالقدرة المهولة للشعب التونسي الذي أظهرها في ثورته، وأوحت بأنه يكاد ينفلت من عقاله، ويفك عنه لعنة البطالة والقهر والفقر والتبعية . ولذلك، كان لابد من اختطاط معادلة جديدة، تعرف نفسها بتأصيل العنف منهجياً في العلاقات الداخلية بين مكونات الشعب، بالتوازي مع استعادة نمط سياسي جديد قديم يتمثل في الاستئصال، والإعدام والقتل، كأداة تقليدية في يد الاستبداد، ليعيد، من خلالها، توازن الخوف إلى قلوب جماهير الشعب، بالإضافة إلى تحقيق هدف استراتيجي أكثر محورية، يتمثل في تخليق مبرر موضوعي لدى الطبقات الكادحة والمحرومة، على اختلاف مشاربهم، والذين بدوا طيفاً واسعاً من المهزومين في المجتمع التونسي، لاستبطان العنف منهجاً وسبيلاً، فهو إن لم يكن مقبولاً من قبل لأسباب أخلاقية وعقائدية، فهو سوف يصبح الوسيلة المنطقية الوحيدة لتصحيح التوازن المجتمعي السلبي ورد الاعتبار للذات والمجموعة . والبيّن من سلوك الحاكم الراهن أنه يمثل نقلات مرسومة بتأن مخاتل، لتكون خارطة طريق تجاه دفع كل الجماهير المقهورة والمهمشة اقتصاديا إلى توازن متقاطب، لا توسط فيه، فإما الانكفاء إلى قمقم الخوف والنكوص في مواجهة الاستبداد، أو استبطان العنف والوعي الثأري وسيلة تجد تبريرها الطبيعي في ذلك السلوك الذي يبدو أنه لن يدخر أي عنف في جعبته لاستصلاح الأرض التونسية الخيرة الولادة، واستنبات الشوك الداعشي فيها، ليرتاح كل مرتعش من هول قدرة الشعب التونسي والشعوب العربية بصفة عامة وإمكاناتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

رأي/ غزة.. وكنت من الواهمين أيضا..

تونس – السفير – بقلم العيد القماطي كنت من الواهمين، في أنصار لهيب غزّة، أن يتص…