تونس – السفير
بقلم: ظافر بالطيبي
كان فوز الحزب “الحاكم” حاليا في انتخابات 2014 مفاجئا عند الكثير من المتابعين للشأن الوطني، فحزب حركة نداء تونس لم يكن بالقوة التي تمكنه من الفوز في الانتخابات التشريعية بنحو 85 مقعدا، كما لم يكن له التاريخ النضالي والقوة الهيكلية التي يمكن أن تجعل منه الحزب الحاكم في بلاد ما بعد الثورة.
ولكن الظاهرة الإعلامية التي صنعها الحزب في فترة وجيزة بتمويلات ضخمة وبمعية زمرة من الصحفيين تحت الطلب، مكنته أن يكون الحزب الفائز في الانتخابات لاسيما بعد اعتماد استراتيجية شيطنة الخصوم والتخويف منهم في حملته الدعائية التي بدأت منذ تأسيسه قبل عامين من الانتخابات الفارطة. واعتمد على نقطة ضعفه ليجعل منها نقطة القوة وهو احتواؤه على عديد الوجوه التجمعية ليخلق في الساحة السياسية حملة دعائية إضافية.
إلى جانب استغلال الحركة حينها للوضع الأمني المتدهور مع بروز ظاهرة الإرهاب ووقوع عمليتي اغتيال سياسي غير مسبوقتين في تونس ما بعد الاستقلال. كل تلك الظروف جعلت الحزب “الحاكم” حاليا يقدم نفسه كبديل للمثال السيء الموجود حينها وليس كبديل لحزب أو ائتلاف سياسي حقيقي قادر على حكم البلاد وتسيير دواليبها.
بعد الانتخابات وبعد الفوز المهم الذي حققه هذا الحزب الجديد والذي اعتمد حملة دعائية شعبوية وخطابا سياسيا مبتذلا قام أساسا على ثنائية الشيطنة والتخويف، يبدو أن السحر قد انقلب على الساحر مجددا وعادت نقطة القوة التي اعتمدها الحزب في تجربته الانتخابية نقطة ضعف من جديد وهو توفره على عدد كبير من الوجوه التجمعية والدستورية مع شخصيات يسارية ونقابية مختلفة وغير منسجمة الأفكار والاتجاهات والمواقف السياسية. فبدأ التصدع الأول في أولى محطات قيادة النداء للبلاد في الفترة الحالية وهي تشكيل الحكومة الجديدة وتبني الخيارات السياسية المطروحة في ظل وجود حركة النهضة في المرتبة الثانية بعدد 69 مقعدا. وقد ظهرت التصدعات والاختلافات منذ البداية مع بدء الاقتناع بضرورة تشكيل ائتلاف سياسي مع حركة النهضة الخصم اللدود للنداء والذي اعتمد عليها بشكل أساسي في الصعود للحكم عبر استهداف الترويكا بمختلف مكوناتها وعلى رأسها حركة “الإسلام السياسي” وما آلت إليه الأوضاع في فترة حكمها..
إلا انه تبيّن سريعا فيما بعد أن أغلب قيادات حركة نداء تونس كان هدفهم الوصول إلى السلطة والاستفادة من العمل السياسي ماديا ومعنويا وليس اتباع برامج إصلاح سياسي واقتصادي واضحة تخرج البلاد من أزماتها الراهنة. فبدأ الحزب مبكرا يشهد انحلالا بنيويا قد يكون هو الأسرع في تاريخ الأحزاب السياسية التي وصلت إلى سدة الحكم.
فسرعان ما تبيّن أن التحالف مع حركة النهضة في الحكومة لا يمثل مشكلا في ذاته لدى أغلب قيادات الحركة الندائية حيث تشكل المصالح والفوائد السياسية المقياس الأول في السياسة الجديدة. فعبر كثير من القيادات عن ضرورة هذا التحالف وأهميته في الحفاظ على تماسك الحكومة المعينة والتي اختار رئيس النداء ورئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي أن يكون شخصية محايدة وكفاءة إدارية من غير السياسيين فكانت حكومة السيد الحبيب الصيد التي أثارت فيما بعد جدلا سياسيا واسعا انتهى بسحب الثقة منها في البرلمان وتعويضها بحكومة “وحدة وطنية” جمعت جل الطيف السياسي في تونس.
إلا أن أكبر عوامل ترهل الحزب الحاكم الجديد في تونس هو التنافس المحموم الذي بدأ يظهر مبكرا في الحصول على الامتيازات والمراتب القيادية الأولى في الحزب وفي الدولة من قبل بعض القيادات الندائية التي لم تخف رغبتها في الاستعداد لخلافة الرئيس الجديد والطاعن في السن الباجي قائد السبسي.
وبدأ مبكرا الحديث عن خلافة الرجل بالخروج للعلن وهو ما حرّك أجنحة الصراع الأولى داخل الحزب بين إبن الرئيس والقيادي في النداء حافظ قائد السبسي من جهة ومحسن مرزوق القيادي ثم الأمين العام للحزب من جهة أخرى فانتهى هذا الصراع في جولته الأولى بانقسام الحزب وخروج شق مرزوق الذي ضم عددا مهما من القيادات لتكوين حزب جديد هو حركة مشروع تونس والتي اجتزأت أيضا كتلة النداء البرلمانية في مشهد سياسي درامي لتعود حركة النهضة صاحبة الكتلة البرلمانية الأولى في مجلس النواب وهو ما غير مجددا في موازين القوى البرلمانية وفي المشهد السياسي التونسي عموما.
ولاشكّ أن أخطر ما وصل له هذا الحزب الفجائي هو ما وقع في اجتماع الحمامات حيث وصل الخلاف إلى العنف المادي بين أنصار المجموعات المتصارعة في الحزب حتى رأينا العصي و”البلطجية” الذين ذكرونا بميليشيات النظام البائد أثناء الحملات الانتخابية.
هذه الصراعات والتجاذبات والانحرافات الخطيرة التي وصل لها الحزب الحاكم الجديد دفعت بعديد الأسماء إلى الاستقالة أو إلى تكوين تيارات إصلاحية داخل الحركة منها فوزي اللومي والطاهر بن حسين ونبيل القروي وبوجمعة الرميلي وفيما بعد رضا بالحاج وعبد العزيز القطي وغيرهما الذين انشقوا عن شق حافظ قائد السبسي. إلى جانب الأسماء العديدة التي غادرت مع محسن مرزوق ثم انشقت فيما بعد عنه وعاد بعضهم مجددا للنداء على غرار الازهر العكرمي ومنذر بالحاج علي..
ولم يعد اليوم يختلف اثنان أن حافظ قائد السبسي الذي أصبح مديرا تنفيذيا للحزب كان الرقم الذي لا يقبل القسمة على اثنين في الهيئة التأسيسية للنداء الجديد. فقد كان الرجل ممثل رئيس الدولة في الحزب بل وحتى في الدولة على اعتباره إبن الرئيس الذي تحول بصفته هذه إلى الرجل الحاكم في الحزب الحاكم رغم أنف بقية القيادات حتى وصل الحد إلى انشقاقات عديدة رغم محاولات الإصلاح ولملمة الشتات من قبل بعض الوسطاء على رأسهم رئيس الدولة ذاته الذي عبر في خطابه الشهير عن غضب المسؤول الكبير مما يجري في الحركة الهائجة.
حتى وصل الأمر إلى الانقلاب العلني على حليف الأمس إبن الرئيس حافظ قائد السبسي، فاليوم الاثنين 23 جانفي الجاري أعلن أعضاء ما يسمى الهيئة التسييرية التي شكلت نفسها عبر مجموعة من القيادات الندائية “المنبوزة” من ابن الرئيس ومنهم رضا بالحاج مدير الديوان الرئاسي السابق وبوجمعة الرميلي المدير التنفيذي السابق للحركة وعبد العزيز القطي وخميس قسيلة وآخرين، في بيان رسمي إقالة حافظ قائد السبسي من الحزب والعمل على استرجاع الحزب من جديد؟ ولاشك أن في ذلك تطور خطير ومنعرج جديد للأزمة السياسية المعقدة التي يشهدها النداء جعلت منه مجموعة من النداءات والهيئات والتيارات المتناحرة والتي فوتت على المعارضة السياسية دور انتقاد الحزب أو العمل على إظهار عيوبه وأوجه فشله في التعاطي مع القضايا الأساسية للدولة.
ولئن تم حلّ الحزب الحاكم السابق في ظل نظام بن علي التجمع الدستوري بحكم قضائي، فإنّ الحزب الحاكم الجديد والذي قام على أنقاظ التجمع قد حلّ نفسه بنفسه دون اللجوء إلى حكم القضاء. وذلك عبر صراعات أجنحته ولوبياته الداخلية حول السلطة والامتيازات وفرض الآراء والتوجهات حتى أضعف سلطته البرلمانية وجعلها في المحل الثاني بعد النهضة وقد كانت تتصدر المشهد البرلماني بعيد الانتخابات. ولعلها المرة الأولى في تاريخ الأحزاب الحديث يفرخ حزب حاكم نفسه بعد الوصول إلى السلطة ويتحلل بالشكل الذي نراه اليوم في نداء تونس. وهو أمر رآه مراقبون غير مفاجئ باعتبار قيام الحزب منذ البداية على “البلطجة السياسية” والتضليل الإعلامي وتشوية الخصوم والاستثمار في الأزمات، دون برامج سياسية إصلاحية حقيقية، الشيء الذي يجعل التكهن بمصير هذا الحزب في السنوات القليلة المتبقية من الفترة التشريعية والرئاسية ليس بالأمر الصعب ولا يتطلب كثيرا من الخبرة والحنكة السياسية.
رفض الإفراج عن الموقوفين على ذمة حادثة رفع علم تركيا فوق مبنى “السكك الحديدية”
تونس – السفير رفض المجلس الجناحي لدى محكمة الناحية بتونس الإفراج عن المتهمين الموقوف…