YOUR EXISTING AD GOES HERE

تونس – السفير
بقلم صالح عطية
في الوقت الذي تنهمك الأحزاب والقوائم المستقلة، والهيئة العليا المستقلة للانتخابات في موعد 26 أكتوبر وتفاصيله ومآلاته، يرصد المرء معالم واضحة للمرحلة المقبلة، بدأت تتشكل في غفلة ـ ربما ـ من مكونات المشهد الانتخابي..
ثمة سيناريو يجري التخطيط له منذ فترة، من قبل جزء من المنظومة القديمة، واليسار الانتهازي والإستئصالي، ولفيف من منظمات المجتمع المدني من “المؤلفة قلوبهم”، يهدف إلى الالتفاف على نتائج الانتخابات القادمة، وتشكيل مشهد سياسي “بديل” لما يمكن أن تفرزه صناديق الاقتراع..
هذا السيناريو، أعدّ ـ على الأرجح ـ منذ عدة أشهر في غرف مغلقة، بمشاركة عتاة المفكرين ورجال “إستراتيجيا” النظام القديم ورموزه، وذلك بعد اجتماعات بالعاصمة وفي بعض الجهات الداخلية، تم الاتفاق في أعقابها على “إفساد” نتائج الانتخابات، خصوصا إذا ما آلت إلى بعض مكونات الترويكا السابقة، وتحديدا حركة النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية..
معطيات أساسية
الجماعة جادة في مسعاها الذي تصفه بـ “الاستراتيجي” و”المنقذ” للبلاد، وهي انطلقت في وضع هذا السيناريو بناء على جملة من المعطيات :
+ أن مكونات الترويكا، وبخاصة حركة النهضة، استفادت من خروجها من الحكم على صعيد استعادة شعبيتها..
+ أن المواطن التونسي فقد ثقته في الأحزاب السياسية، خصوصا تلك التي كانت تناكف الترويكا وتعارضها، وهي تبدو في نظره، أحزاب بلا بوصلة.. تقتات من الصراع أكثر من البناء..
+ أن المنظومة القديمة مشتتة ومقسمة، فضلا عن تراثها الاستبدادي المفسد، الذي يجعل أي تحالف معلن معها، مرفوض شعبيا..
+ أن اليسار بدوره منقسم، ولم يقدر على تجميع مكوناته ضمن إطار موحد، رغم وحدة الأهداف والتحليل والوجهة الإيديولوجية..
وهي معطيات لن ترجح ـ في تقدير الجماعة ـ كفة التيار “التحديثي” وما تسمى بـ “القوى الديمقراطية” في الانتخابات القادمة..
السيناريو .. والخطوات
ولمواجهة هذه المستجدات، التي ستعصف بمستقبل عديد الأطراف السياسية، ممن يتوقع أن تحصد عددا من الأصوات غير وازن في المشهد السياسي بعد الانتخابات، تم التخطيط لسيناريو من شأنه قلب المعادلة رأسا على عقب، وفقا لخطوات محددة جرى ضبطها بالتنسيق بين عدة أطراف داخلية وخارجية، لم تستسغ سياقات الراهن السياسي الوطني… ويمكن اختزال هذه الخطوات في النقاط التالية :
ـــ التسويق لتخوفات تتعلق بتزوير الانتخابات القادمة، من خلال تصريحات لسياسيين وحقوقيين وإعلاميين وناشطين في المجتمع المدني، وبخاصة من المختصين في مراقبة الانتخابات..
ـــ إعداد دعاوى قضائية للمحكمة الإدارية، تخص التجاوزات المتعلقة بالتزوير، وستتولى منظمات المجتمع المدني وأحزاب وشخصيات سياسية ومواطنين “مكلفين بمهمة”، الطعن في نتائج الانتخابات لدى القضاء…
ـــ نتيجة حجم الدعاوى القضائية التي سيتم تقديمها للمحاكم، ستقع المطالبة بإرجاء تفعيل نتائج الانتخابات إلى ما بعد البتّ في هذه الدعاوى قضائيا، وبالتالي يتم الضغط السياسي ــ وربما الشعبي ــ لكي لا تتشكل الحكومة الجديدة، ويجري من ثمّ، تعطيل المسار السياسي برمته..
ـــ دعوة منظمات من المجتمع المدني في الغرب للاعتراض على نتائج الانتخابات، عبر البيانات والتقارير والإحصاءات والندوات والمؤتمرات الصحفية، بشكل تتحول القضية إلى مشغل وطني حقيقي..
ـــ وضع استراتيجية إعلامية سيتولى “الإعلام المأجور” بموجبها، تسويق هذا الأمر للرأي العام الوطني، بواسطة “تقنية التكرار” المستمر، وهو ما حصل بالضبط في الحالة المصرية، عندما قام عبد الفتاح السيسي بالانقلاب.. فقد هضم جزء كبير من المصريين العملية الانقلابية في البداية، ولم يتفطنوا إلا بعد أن ارتكبت الجريمة الفاشية والدموية في رابعة..
ـــ النزول للشارع بأعداد لافتة بقيادة شخصيات سياسية وحقوقية وناشطون ورموز أحزاب سياسية، يرفعون شعارات ردّ الاعتبار للشعب التونسي الذي زيفت إرادته، وتم تزوير تصويته، وأن هؤلاء قد اجتمعوا لتصحيح ما أفسدته الانتخابات المزوّرة… وستتسع عملية النزول لتشمل الشوارع والأنهج وأمام المؤسسات الرسمية، لمنع أي عملية تنصيب للحكومة الجديدة التي ستفرزها صناديق الاقتراع..
ـــ الاستعانة ببعض الأطراف الخارجية، لضخ أموال في الوضع التونسي، من أجل بيع الوهم للشعب التونسي، وتقديم مؤشر على ما يمكن أن يفعله المنقلبون الجدد إذا ما استتبّ لهم الأمن والاستقرار..
تساؤلات ضرورية
وبالطبع سيتم الزج بقوى الثورة والأحزاب الليبرالية وذات المرجعية الإسلامية، وما يوصفون بـ “العلمانيين المعتدلين” في السجون لسنوات ريثما تهدأ الأجواء، وتطوى صفحة الثورة والثوار والربيع العربي إلى الأبد..
فهل تكون نهاية الربيع التونسي بهذه الصورة الدونكيشوتية بعد كل التضحيات البشرية والسياسية والوطنية ؟ وهل ستبقى الأطراف المستهدفة بالانقلاب مكتوفة الأيدي ؟ بعبارة أخرى : كيف تفكر لمواجهة هذا السيناريو ؟ وما هو موقف القوى التي توصف
بـ “الثورية” ؟ وما هو رأي الأطراف الخارجية التي تراهن على الانتقال الديمقراطي في تونس ؟
في انتظار الإجابة على هذه التساؤلات، يخشى المرء، كما يخشى الرأي العام الوطني كل الخشية، من أن تهرع بعض القوى الثورية، أو بعض مكونات الترويكا السابقة إلى تسويات خفية (تحت الطاولة)، مع “الماكينة” الانقلابية، أو ما يسميها البعض بـ “الثورة المضادة”، بذريعة الخوف من عودة المنظومة القديمة، أو عودة الاستبداد، وخروجهم من كل هذه الهلمّ التونسية بيد فارغة وأخرى لا شيء فيها..
إنها ساعة الحقيقة في عمر الترويكا السابقة، وساعة الحقيقة بالنسبة للقوى “الثورية”.. فهل يفيق هؤلاء قبل فوات الآمان ؟
قد يبدو السؤال مزعجا، لكن الأكثر إزعاجا، إمكانية أن تتواصل “سياسة الصمت” و”إستراتيجية التراجع” إلى أبعد من ذلك، فهل يتم تكذيبنا في هذا السياق فعلا؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

تمديد الاحتفاظ بإطارين من وزارة المالية بشبهات فساد

تونس – السفير  أذنت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس لأعوان الوحدة الوطنية…