YOUR EXISTING AD GOES HERE

تونس – السفير – دوليّة
بقلم: مختار غُميض
libya maps
إذا كان من المؤكّد ان الليبيين -غير الأزلام منهم طبعا- يتحسّرون على اللّحمة الوطنية التي عايشوها إبّان ثورة ال17 من فيفري فإنهم في المقابل اليوم يتذوّقون -زهاء العامين- مرارة الانقسام.
إنقسام كبير يمزق شمل المدن والقبائل والجهات بل نخر جسد العائلة الواحدة ليهدّد الوطن بالتقسيم في ظلّ نزاع بات واضحا على السلطة.
شأنها شان بقية بلدان الربيع العربي -مع مراعاة الخصائص الموضوعية لليبيا- عرفت تركة العقيد القذافي انتقالا ديمقراطيا صعبا مع انتشار الميليشيات وفوضى السلاح، لتزيد ارتدادات الثورة المضادة في الجارة الشرقية، الطينة بلة، فظهر حراك لا للتمديد للمؤتمر الوطني العام، المنتخب في أوّل إنتخابات ليبيّة، تخلّل تلك الفترة عمليات إغتيال وتفجيرات هنا وهناك الى حين إجراء إنتخابات ثانية أفزرت مجلسا نيابيا نقل أعماله الى شرق البلاد في طبرق، في مخالفة للإعلان الدستوري الذي ينص على إنعقاده في بنغازي.
تعلّل حفتر وأنصاره بغياب الامن عن بنغازي فقاد عملية عسكرية وصفت من قطاع واسع من الليبييين بالمحاولة الانقلابية خاصة مع طلبه بإنتخاب مجلس عسكري والتهديد بضرب مجلس النواب مؤخرا.
زادت عملية حفتر في تعقيد الواقع الليبي وتحوّلت إلى حرب حقيقية تسبّبت في مقتل المئات ونزوح الآف العائلات داخل الوطن وخارجه، وتدمير للبنية التحتية، فيما إعتبر مراقبون، إن الإرهاب الذي خشيه حفتر وقام من اجل استئصاله، ساهم فيه لا عن قصد او غير قصد، بل وارتكبه ومسلّحوه ووفّروا الأرضية، فخرج الأزلام الى العلن وأرتفعت عقيرتهم وظهرت “داعش” بعد أشهر من الحديث عن ظهورها..وأصبح الجيش المصري يتبنّى ضرباته الجوية علنا بعد نكران، وتطالب بالتدخل الدولي لولا الرفض العالمي.
في خضم كل ذلك بقي وحده المبعوث الدولي الاسباني برناردينو ليون ينادي بالحوار إضافة إلى دولتي الجوار المغاربي الجزائر وتونس اللتيين إلتزمتا الحياد.
في معركة إختلط فيها الحابل بالنابل وعمّت فيها الفوضى وإدّع فيها طرفا النزاع الشرعية وأطلّ فيها الإرهاب برأسه، يسعى المبعوث الأممي لإيجاد مخرج صعب تتقاطع فيه السياسة بالقبيلة وبالإرهاب فبات على ليون والمتحاوين معه أن يحدّدوا أطراف الحوار ثم نقاط الإئتلاف والإختلاف.
أراد ليون بذلك تشريك أهمّ طرفي الصّراع فحضر ممثلون عن مجلس نواب طبرق، (المعترف به دولياً والمنحلّ داخليا)، إلى جانب نواب مقاطعين لجلساته أبرزهم من مدينة مصراته (أكبر الدّاعمين ل”فجر ليبيا” وحكومة طرابلس المنبثقة عن المؤتمر الوطني العام)، إضافة إلى ممثلين عن المؤتمر الوطني العام، ليشمل الحوار فيما بعد مع تقدمه.
وبذلك يضمن المنتظم الدولي إرضاء قطاع واسع من الليبيين بإسلامييهم ولبرالييهم وعلمانييهم حتى يضمن أكثر أستقرارا لبلد هش، بات مهدّدا بالصّوملة فضلا عن تهديد أمن المنطقة المغاربية المستقرّة ومنطقة شمال المتوسّط عامّة بتوسّع الأنشطة الإرهابية، حيث لا تُخفي كلّ من فرنسا وإيطاليا تخوّفهما وتهديدهما بالتدخل العسكري أكثرمن مرّة.
ذلك التخوّف يمكن الحدّ منه بتشريك الاسلام السياسي السّلمي الذي يعترف بالديمقراطية في السلطة خاصة الاخوان المسلمين المتمثل في حزب “العدالة والبناء” لقطع الطريق على الاسلاميين الراديكاليين من ذلك “انصار الشريعة” المتواجدة في بنغازي ودرنة وبالتالي فإن الغاية الأولى للمهمة الاممية هي حصر الاسلاميين المتشددين في الزاوية مع غيرهم من الازلام والمرتزقة وممن يرفض الحوار ويعبث بالامن وتجريمهم ثم قتالهم كفئة باغية.
ثم اضفاء الشرعية على حكومة وحدة وطنية ومساعدتها في بسط نفوذها على الخارطة الليبية وتكوين جيش وشرطة لكن كل ذلك ستعترضه صعوبات جمة امام اهمية دور القبيلة.
تلعب القبائل في ليبيا دورا محوريا وتشكل العصبية القبيلية الانتماء الأول للفرد الليبي، لذلك نذكر بان انشقاق القبائل عن نظام القذافى كان العامل الاساس في سقوط اركانه، لذلك عمد العقيد الى تولية افراد قبيلته المناصب العليا فى الدولة و”الجيش” الى جانب المصاهرة التى تربطه بزعماء القبائل الأخرى لكن رغم ذلك التطويع فإن القبيلة فقدت عمقها في النفوس كما كانت قديما نتيجة اسباب عدة، اولها وعيها بإستغلالها سياسيا.
هذا “الانحلال” في الرابطة القبلية الذي سمح بإحداث خروقات سياسية لصالح النظام قبل الثورة، سيسمح بإحداث خروقات كذلك لتجنيد الافراد في تنظيمات ارهابية بعدها، مما ينعكس بالسلب على الرابطة القبلية لصالح ولاءات إيديولوجية متطرفة كأنصار الشريعة وتنظيم “داعش” في حين فشلت منظمات المجتمع المدني والتشكيلات الحزبية في استقطاب الجماهير(وهو ما تسعى اليه الاحزاب في النظم الديمقراطية) خاصة من الشباب المتحمّس بطبعه والذي كان وقود الثورات.
يعود العامل الرئيس في تكوّن تلك المجموعات الإرهابية أوّلا الى غياب الأمن واضمحلال الدولة المركزية صاحبة القرار بجيشها وجهاز داخليتها وثانيا الى الإستفادة من مناخ الحرية (رغم أنه مشوبا بالفوضى) بعد سقوط النظام لذلك ظهرت الخلايا النائمة ونشطت بعد أن كانت ملجومة أو تنشط في المنطقة بأسرها كتنظيم “القاعدة في المغرب” وثالثا إلى أطراف سياسية تسعى لتحقيق مآرب من الأعمال الإرهابية حتى وإن لم تساهم فيها، وأوّلهم بقايا العهد السابق الذين تتقاطع مصالحهم ومصالح العابثين بأمن البلاد حتى يصبح المواطن يتمنّى عودة النظام السابق ويحن إلى الدكاتورية التي أقطها هم بنفسه، ورابعا سعي أطراف حزبية جاءت بعد الثورة لتحصل على موطئ قدم مبكّرا، فتوظّف أنصارها المسلّحين الذين إستولوا على مخازن الذّخيرة زمن الثورة وكوّنوا ميليشيات مقاتلة تقوم بأعمال إجرامية كلما إصطدم جناحها السياسي بجناح آخر وهذا مايقودنا الى السبب الخامس والأخير، وهو غياب النّضج والوعي السّياسيين -وهو ما يعترف به اللّيبيون أنفسهم- نتيجة التجريف والتجفيف والتجهيل المقصود الذي عرفته ليبيا منذ إنقلاب 1969 بقيادة القذافي طيلة 40 عاما رغم التجربة السياسية المبكّرة التي عرفتها البلاد قبيل الاستقلال حيث ظهرت الأحزاب في درنة وبنغازي وطرابلس وبرقة كما صدر قانون الانتخابات الليبي لأول مرة في 1952 وأقرته جمعية تأسيسية في أول انتخابات تشريعية، ونظمت الأحزاب حملاتها لكسب تأييد الناخبين وجرت الانتخابات وأفرزت برلمانا في بنغازي إفتتح الملك ادريس أولى جلساته.
كانت تلك اللبنات تاسيسا حقيقيا لديمقراطية عربية لولا الإنقلابات العسكرية التي مُنيت بها أكثر من دولة عربية وهو ما أوصل تلك الدول إلى ممّا تعاني منه اليوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

رأي/ غزة.. وكنت من الواهمين أيضا..

تونس – السفير – بقلم العيد القماطي كنت من الواهمين، في أنصار لهيب غزّة، أن يتص…