YOUR EXISTING AD GOES HERE

تونس – السفير
بقلم: وسام عثمان **
نشر مركز الحياة للاعلام في مجلة دابق العدد الثامن و هي احدى المجلات المتحدثة بلسان ما كان يعرف بتنظيم دولة العراق و الشام و الذي تسمى حاليا باسم الدولة الاسلامية حوارا مطولا مع ابو بكر الحكيم و الملقب بأبي مقاتل التونسي المسئول الاول عن مقتل النائب في المجلس التأسيسي محمد البراهمي و المتورط في مسلسل الاغتيالات في تونس.
مجلة دابق و التي تحمل اسم منطقة بالشام تنبأ الرسول أنها ستكون مسرحا لمعركة عظيمة بين المسلمين و الروم تكون الغلبة فيها لجيش المسلمين وهي من العلامات الصغرى لاقتراب يوم القيامة، صدرت في عددها الثامن كعادتها باللغة الانكليزية مما يوحي بأنها موجهة أساسا للرأي العام العالمي و للغرب أساسا. وهو توجه حرصت عليه مختلف وسائل إعلام تنظيم دولة العراق و الشام المعروفة اختصارا بداعش سواء في اصداراتها المسموعة و المرئية أو اصداراتها المكتوبة، هذا التوجه وقع اعتماده باعتبار المعركة الاساسية للتنظيم هي معركته مع الغرب أو الصليبين كما يسميهم ومن تحالف معهم من الميليشيات والحكومات العربية والاجنبية اضافة لمحاولته الاتصال المباشر بالرأي العام الغربي لايصال أفكاره ورؤاه السياسية والعقدية ولتجنب التشويه والمغالطات التي يعتمدها خصومه في المعركة الاعلامية.
الاصدار الجديد لمجلة دابق بتاريخ جمادى الاخرة 1436 هجري الموافق لشهر مارس 2015 حمل عنوان “لن تحكم افريقية الا بالشريعة” و هو ما يوضح تركيز هذا العدد على العمليات و الجماعات الاسلامية المقاتلة في افريقيا مثل “جماعة أهل السنة للدعوة و الجهاد في غرب افريقيا” المعروفة اعلاميا باسم “بوكو حرام” و التي بايعت مؤخرا أبا بكر البغدادي و عملية باردو بتونس التي استهدفت السياح و مجلس النواب اضافة لمقال تحليلي حول الوضع في ليبيا الا أن القيمة السياسية والمعلوماتية لهذا العدد تأتي من حوار أجرته مجلة دابق مع أبو بكر الحكيم قاتل النائب و السياسي محمد البراهمي.
تصريحات “أبو بكر الحكيم”
تصريحات أبو بكر الحكيم شملت مختلف جوانب مسلسل الاغتيالات السياسية في تونس وخطّأت كل الروايات الرسمية والتحليلات السياسية حولها و قد تضمنت أساسا:
– اعتراف ابو بكر الحكيم بقتله للنائب محمد البراهمي بعشر رصاصات بعد ترصده لمدة أربع ساعات أمام منزله.
– التصريح بكون كمال القضقاضي و لطفي الزين هما من اغتالا شكري بلعيد بمساعدة أحمد الرويسي.
– الاعتراف بمقتل كل من لطفي الزين و كمال القضقاضي في تونس ومقتل أحمد الرويسي في ليبيا مما ينهي الجدل حول صدقية هذه الانباء وصحتها.
– تبريره عمليات الاغتيال السياسي في تونس بأنها كانت تهدف لإحداث الفوضى وادخال البلاد في حالة توّحش مما سيمكنهم من حرية الحركة والنشاط اضافة لجلب السلاح وتحرير اخوانه من السجون.
– تبريره لاغتيال البراهمي بكونه جاء نتيجة لفشل الاغتيال الاول في احداث أهدافه المرجوة و نظرا لكونه من طواغيت تونس باعتباره نائبا في مجلس تشريعي شركي.
– تأكيده أن أطراف اسلامية أخرى محسوبة على التيار الجهادي هي من أفسدت المرور لحالة الفوضى والتوحش بعد الاغتيال الاول وبعد الاغتيال الثاني وذلك بحماية مؤسسات الدولة.
– تنصيصه أنه التحق بالدولة الاسلامية في العراق والشام بعد مقتل و أسر أغلب المسئولين عن الاغتيالات فيما التحق أحمد الرويسي بالدولة في سرت بعد مقتل شكري بلعيد.
الاستنتاجات السياسية المبنية على هذه التصريحات
تكتسي هذه التصريحات أهميتها من كونها صادرة عن شخص عالم بتفاصيل وخفايا الاغتيالات السياسية التي هزت تونس بعد الثورة اضافة لرسمها صورة أخرى مختلفة تماما عن المتداول اعلاميا وسياسيا، ويمكن تبعا لها وضع الاستنتاجات الاتية:
1- مجموعة الاغتيالات و المكونة من كمال القضقاضي و لطفي الزين و أحمد الرويسي و أبو بكر الحكيم هي مجموعة مقاتلة مستقلة تنظيميا عن كل التنظيمات الجهادية المعروفة كتنظيم أنصار الشريعة و تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي وتنظيم دولة العراق والشام باعتبار البيعة كانت لاحقة للاغتيالات.
2- تنظيم أنصار الشريعة بتونس هو من أفشل مخطط مجموعة الاغتيالات في المرور لمرحلة الفوضى والتوحش باعتبار سيف الله بن حسين والملقب بأبي عياض زعيم التنظيم أعطى أوامر لأتباعه بعد الاغتيالات بحماية المؤسسات العامة والخاصة في تلك الفترة مما يجعل استهداف التنظيم واستئصاله من قبل السلطات التونسية باعتباره تنظيما ارهابيا متورطا في الاغتيالات خطأ استراتيجيا فادحا قائما على حسابات سياسية ضيقة وارضاء لأجندات سياسية داخلية وخارجية.
3- اغتيال النائب محمد البراهمي لم يكن مبرمجا بداية بل جاء لدفع البلاد لحالة الفوضى و التوحش بعد فشل الاغتيال الاول في احداث ذلك نتيجة تدخل محسوبين على التيار الجهادي في حماية مؤسسات الدولة واختيار النائب محمد البراهمي يبرره سياسيا كون الاغتيال الاول استهدف قياديا شيوعيّا ماركسيا لذا تحتم أن يستهدف الاغتيال الثاني قياديا في فصيل سياسي اخر هو التيار القومي لتقوية جبهة الرفض و التمرد على السلطة الحاكمة خاصة أن البراهمي أصيل منطقة سيدي بوزيد منطلق الثورة التونسية.
4- تلاقي مجموعة الاغتيالات من خلال رغبتها في ادخال البلاد في حالة الفوضى والتوحش مع كل من الجبهة الشعبية اليسارية في تونس وجبهة الانقاذ التي ضمتها اضافة لبقايا النظام القديم نظرا لمحاولتهم السيطرة على عديد المؤسسات العمومية ومؤسسات الدولة وتورط منتسبيها في أحداث شغب و نهب و حرق للممتلكات وهو موثق بالصورة والصوت اضافة لاعتراف بعض الاطراف في جبهة الانقاذ بدفع معظم مكونات جبهة الانقاذ في اتجاه الانقلاب على الشرعية وعلى السلطة الحاكمة انذاك و السيطرة بالقوة على مؤسسات الدولة وهو ما أكده الاعلامي برهان بسيس في حوار تلفزي الذي قال بأن بعض الاطراف السياسية كانت مستعدة لإسالة الدماء من أجل الانقلاب على السلطة بعد السيطرة على مؤسسات الدولة.
الاشكالات والاسئلة التي تطرحها هذه التصريحات
ما تم استخلاصه لا يغلق باب النقاش حول ملف الاغتيالات بل يدفعنا لطرح الاسئلة التالية:
أولا- ما هو موقف السلطة التونسية و أجهزة الاستخبارات والأمن من تصريح أبو بكر الحكيم أحد زعماء مجموعة الاغتيالات ببراءة تنظيم أنصار الشريعة منها ؟؟
هل ستعيد فتح ملف أنصار الشريعة ثانية وتحاول إنصاف من زج بهم في السجون من عناصره و قياداته بدون أدلة ثابتة؟؟ أم أن السلطة الحاكمة حاليا والمستفيدة من وضعية الاغتيالات للوصول للحكم ستكتفي بشرعنة الأمر الواقع وتدفع بالتالي البلاد والعباد في اتجاه المواجهة والانقسام الاهلي الذي سيكون التيار السلفي ضحيته الاولى بانتظار الضحية الاخيرة ؟؟
ثانيا- ما هو سر التلاقي من أجل دفع البلاد لحالة الفوضى والتوحش بين مجموعة الاغتيالات وكل من الجبهة الشعبية اليسارية وبقايا النظام القديم المتحالفين في إطار جبهة الانقاذ؟؟ هل هو تلاقي مصالح أم تلاقي أجندات سياسية بمحض المصادفة؟؟
هل من الممكن أن تكون مجموعة الاغتيالات مخترقة لصالح أطراف سياسية داخلية و جهات خارجية ؟؟ خاصة إذا علمنا أن العمليات العسكرية اللاحقة للاغتيالات والتي استهدفت الجيش و الامن التونسي بجهة الشعانبي والتي شارك فيها بعض عناصر مجموعة الاغتيالات قادها مقاتلون جزائريون ومعظم عناصرها جزائريون وفق تصريح الناطق الرسمي باسم الداخلية التونسية محمد علي العروي اضافة لورود معلومات استخباراتية لسلطة بن علي في الايام الاخيرة من الثورة بتسلل مجموعات مقاتلة من التراب الجزائري لداخل التراب التونسي. كما أن بعض عناصر مجموعة الاغتيالات تحوم حولهم شبهات عديدة لعل أهمها علاقة أحمد الرويسي بالمخابرات وبلاط بن علي الذي احتضنه سابقا.
كما لا ننسى التدخل الفرنسي السافر في الشؤون التونسية من خلال تصريحات وزير الخارجية الفرنسي ودعمهم لأطراف سياسية معينة شأنهم شأن دولة الامارات مما دفع عديد القيادات السياسية واليسارية خاصة إلى مطالبة السلطات الفرنسية بالتدخل السياسي وأحيانا العسكري في تونس (بعد فشلهم في استمالة الجيش التونسي لتنفيذ انقلاب عسكري رغم دعواتهم الصريحة) لوقف ما يسمونه سيطرة القوى الظلامية والرجعية على الحكم.
رابط المجلة باللغة الانكليزية: https://dump.to/Dabiq8
رابط تصريحات ابو بكر الحكيم مترجمة للعربية: https://justpaste.it/k8rc
الهوامش:
1ـ روى مسلم في صحيحه حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق فيخرج إليهم جيش من المدينة، من خيار أهل الأرض يومئذٍ، فإذا تصافوا قالت الروم: خلو بيننا وبين الذين سبقوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا فيقاتلونهم فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً، ويقتل ثلث أفضل الشهداء عند الله، ويفتح الثلث لا يفتنون أبداً، فيفتحون قسطنطينية فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم فيخرجون وذلك باطل، فإذا جاءوا الشام خرج، فينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة، فيتنزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم، فأمهم، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لذاب حتى يهلك، ولكنه يقتله الله بيده، فيريهم دمه في حربته.”
2ـ غير التنظيم تسميته بعد اعلان زعيمه أبو بكر البغدادي عودة الخلافة بتاريخ الاول من رمضان 1435 هجري الموافق ل 28 يونيو جوان 2014 من الدولة الاسلامية بالعراق و الشام الى الدولة الاسلامية أو دولة الخلافة.
3ـ تصريح لعصام الشابي,قيادي في الحزب الجمهوري أحد المشاركين في اعتصام الرحيل بباردو الذي نظمته جبهة الانقاذ
4ـ حوار تلفزي ببرنامج لمن يجرؤ على قناة الحوار التونسي فقط تاريخ 29 مارس 2015
5ـ وزير جزائري في تصريح تلفزي علني اعتبر ثورات الربيع العربي بعوضا يجب القضاء عليه بالمبيد الحشري
6ـ تصريح للاعلامي برهان بسيس بنفس الحوار التلفزي ببرنامج لمن يجرؤ فقط تاريخ 29 مارس 2015
**يعالج هذا المقال البحثي موضوع الاغتيالات السياسية في تونس التي حدثت بعد الثورة التونسية و يكتسي هذا الموضوع أهميته من اللبس الذي شاب هذه الاغتيالات و التي كان لها دور أساسي في تشكيل مشهد سياسي جديد في تونس بعد الازمة السياسية التي شهدتها البلاد.
كما أن ما يميز هذا البحث أنه اعتمد أساسا على تصريحات أبو بكر الحكيم المتهم الاساسي في اغتيال محمد البراهمي الناشط السياسي المعارض و النائب بالمجلس التأسيسي, هذه التصريحات وردت في العدد الثامن من مجلة دابق الصادرة عن مركز الحياة للاعلام أحد المراكز الاعلامية لتنظيم الدولة الاسلامية بالعراق و الشام و الذي يعرف اختصارا بداعش و قد تطرق القاتل في تصريحاته الى أسماء منفذي الاغتيالات في كل من عملية اغتيال شكري بلعيد و محمد البراهمي كما ذكر الاسباب الرئيسية التي دفعتهم للقيام بها و ذكر أهم حيثيات الاغتيالات و سبب فشلها في تحقيق أهدافها المرجوة.
هذه التصريحات خطأت كل الروايات الرسمية و التحليلات السياسية و رسمت صورة أخرى لملف الاغتيالات السياسية مختلفة تماما عن المتداول اعلاميا و سياسيا و طرحت بالتالي رؤية سياسية مغايرة خطيرة المضمون و الابعاد.
هذا المقال التحليلي انقسم الى :
1- مقدمة تناولت الابعاد الفكرية و السياسية لمجلة دابق في عددها الثامن و التي حملت عنوان ” لن تحكم افريقية الا بالشريعة”
2- ملخصا لاهم تصريحات أبو بكر الحكيم بخصوص ملف الاغتيالات السياسية في تونس ما بعد الثورة
3- الاستنتاجات السياسية التي يمكن استخلاصها من هذه التصريحات
4- الاشكالات و الاسئلة التي تطرحها هذه التصريحات مذيلة برابط الكتروني للعدد الثامن من المجلة باللغة الانكليزية و برابط الكتروني لترجمة عربية لهذه التصريحات
كاتب المقال: وسام عثمان باحث و ناشط حقوقي تونسي
– ناشط طلابي سابق و مناضل نقابي له مقالات حول الحركة الطلابية و العمل النقابي في الجامعة التونسية
– متحصل على الاستاذية في العلوم القانونية
– متحصل على شهادة ماجستير في القانون الجبائي موضوع بحثها “الغاء العقوبات الجبائية من قبل القاضي الجبائي لسبب شكلي”
– متحصل على شهادة ماجستير في قانون المؤسسات موضوع بحثها “عقد الاستصناع في القانون التونسي المعاصر”
– محامي متربص بمنظمة (ILF ( THE INTERNATIONAL LEGAL FOUNDATION
– عضو في عديد الجمعيات الحقوقية مثل منظمة حرية و انصاف و مرصد الحقوق و الحريات بتونس و لجنة الدفاع عن المحجبات بتونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

رأي/ غزة.. وكنت من الواهمين أيضا..

تونس – السفير – بقلم العيد القماطي كنت من الواهمين، في أنصار لهيب غزّة، أن يتص…