حوارات - حوارات وطنية - نوفمبر 16, 2015

خاص/ قيس سعيد لـ"السفير": ما يحصل اليوم في تونس امتداد للاستعمار و"خطاب الأزمة" آداة للحكم؟

YOUR EXISTING AD GOES HERE

تونس- حوارات السفير
” ما يحصل اليوم هو امتداد للاستعمار، للأسف تضفى مشروعية وهمية شكلية دون قطع حقيقي و دون بناء جديد حقيقي، البناء يقتضي قراءة التاريخ و الاتعاظ به و الانصات الى المطالب الحقيقية للتونسيين… الآليات التي يتم استعمالها و اللجوء اليها هي آليات قد عفى عليها الزمن… ما نعيشه الآن هو تراكمات منذ الاستقلال الى اليوم، النظام لم يعد بامكانه أن يواصل، النظام فقد مشروعيته و يريد الآن أن يجدد نفسه بهذه الطريقة.”
حاوره: محمد أمين المكشاح
-لاحظ العديدون غيابك عن المنابر الاعلامية و خاصة المحلية منها في الفترة الأخيرة، فما سر هذا الغياب؟
-لا يخفى على أحد أنه كلما ارتأيت أمرا حقا الا و صدعت بالكلمة التي يجب أن أصدع بها دون أي ترتيب مع أي طرف كان و دون بحث عن أي مقابل كان في مستوى السلطة أو في مستوى الاعلام أو في أي مستوى آخر، كلمة الحق أمانة و ما أرتئي أنه حق أصدع به، هل أنه تم تغييبي؟ واضح جدا أن البعض صار منزعجا من هذه المواقف، و ردود الفعل التي تناهت الي تدل على انزعاجهم و تدل أيضا على أنهم لا يريدون أن أظهر في وسائل الاعلام، تلك قضيتهم و لا يهمني على الاطلاق، أما أنا سأواصل دائما على نفس المنهج و بنفس التصور و بكل الوسائل المطروحة أي عن طريق الاعلام أو عقد الندوات أو بأي طريقة أخرى لأبلغ صوتا ربما ينزعج منه البعض أو مواقف لا يقبل بها البعض الآخر و لكن تلك قضيتهم و ليست قضيتي. لا أذكر جهات معينة أو أشخاص في ذاتهم، لا يمكن أن أذكر جهة معينة لكن واضح النتيجة أنه كان من لا يرغب أن أبدي رأيا يمكن أن يكشف مناوراته أو مناوراتها ان كان الأمر يتعلق بجهة محددة أو يمكن أن يبين أو يوضح الآثار التي يمكن أن تترتب عن موقف معين أو عن قرار أو قانون محدد، يعني لا أذكر جهة بذاتها أو شخصا بذاته و لا تعنيني الأسماء أصلا بل النتيجة التي نراها اليوم هو أن هؤلاء ليسوا على استعداد لأن تقول كلمة ترتكز على أنها حق تزعجهم و تكشف مخططاتهم. لم أبحث مرة أخرى عن سلطة مقابل الموقف أو عن مقابل أيا كان، بحثت فقط عن أن نحقق مشروع أو نساهم في تحقيق مشروع، التونسي طالب أن يكون حرا محفوظ الكرامة في وطن حر محفوظ الكرامة و هذا ما سعيت الى المساهمة في تحقيقه.
-ما رأي الأستاذ قيس سعيد في مشروع قانون المصالحة؟
قضية قانون المصالحة مع ما أثارته من ردود فعل، هذا المشروع على الأقل في صيغته التي تم تقديمه بها أو ايداع النص في مجلس نواب الشعب بها يتعارض مع الفصل 148 من الدستور و مع الفقرة التاسعة منه، منظومة العدالة الانتقالية تقوم على مبادئ واضحة، تقوم على المساءلة و على المحاسبة و تأتي المصالحة تتويجا لمسار كامل و ليست منطلقا له، ثم يتعارض هذا المشروع مع الفصل 110 الذي ينص على أنه لا يجوز سن اجراءات استثناءية من شأنها المساس بمبادئ المحاكمة العادلة. ما جاء في مشروع قانون المصالحة جاء تقريبا في اجراءات استثناءية، مصالحة ستتم خلف الأبواب المغلقة تحت جنح الظلام ثم لا تؤدي الى كشف الحقيقة اذ لن نعرف من هو المسؤول و كيف ارتكب هذا الجرم في حق المجموعة الوطنية، من المفروض أن تكشف الحقيقة، لا يمكن أن تتم المصالحة بالشكل الذي تم اقتراحه في مشروع القانون الحالي، هذا فضلا على أن المشروع جاء مختصرا مجموعة من الأحكام اذ يمكن يحصل النصاب بحضور أربع أعضاء أو حتى بدون حضور أعضاء ممثلين لهيئة الحقيقة و الكرامة، هي اجراءات مختصرة جدا اذ لا وجود لأي امكانية لمعرفة الحقيقة و لا لتفكيك هذه المنظومة التي يتحدثون عن ضرورة تفكيكها. من الجانب القانوني هناك تعارض مع الدستور و أما الجانب المتعلق بكشف الحقيقة فهو تقريبا مفقود تماما.
-تذهب أطراف معينة الى القول بأن تمرير مشروع قانون المصالحة من أهدافه ضرب هيئة الحقيقة و الكرامة، فالى أي مدى يصح هذا الرأي؟
نعم و لو أن هناك آراء مختلفة حول هذه المسألة فهي ليست الجهة الوحيدة المخولة للنظر في هذه القضايا و لكن على الأقل لتكن الاجراءات واضحة و ليكن ذلك على رؤوس الملأ لا بهذه الطريقة و بهذه الاجراءات التي تم اقتراحها، يعني المشروع تعارض مع الدستور ثم تعارض مع مبدأ المحاكمة العادلة، مرة أخرى المصالحة هي تتويج لمسار كامل و ليست منطلقا له. و أنتهز هذه الفرصة لأذكر بمقترح كنت قد تقدمت به في شهر مارس 2012 و يتعلق في ذلك الوقت بتصور كامل للعدالة الانتقالية، كنت قد اقترحت انشاء هيئة قضائية تتركب من خمسة قضاة، ثلاثة من القضاء العدلي و واحد من القضاء الاداري و خامس من القضاء المالي و تتولى الاشراف على مجموعة من الدوائر عددها ستة دائرة تختص في الفساد السياسي و الاداري و دائرة تنظر في الفساد الاقتصادي و المالي و دائرة تنظر في القضايا المتصلة بحقوق الانسان و دائرة تختص بالنظر في جبر الأضرار و أخرى تتعلق بقضايا الشهداء و جرحى الثورة و دائرة سادسة و أخيرة تتولى الأرشيف. و كنت قد اقترحت في اطار الدائرة التي تختص بالنظر في الفساد الاقتصادي و المالي أن يتم ابرام صلح جزائي مع من تورطوا في هذه القضايا الذي كان عددهم يومئذ 460 و كان المبلغ المطلوب منهم يتراوح بين عشرة آلاف مليار مليم و بين ثلاثة عشر ألف و خمسمئة مليار مليم أي حوالي نصف ميزانية تونس و كان أكثرهم آنذاك مستعدا لابرام هذا الصلح الجزائي بناءا على تقارير الخبراء و على رؤوس الملأ أمام دائرة خاصة حسب اجراءات المواجهة، ثم بعد ابرام الصلح الجزائي معهم -و الصلح الجزائي مؤسسة معروفة في القانون الجزائي و مجلة الاجراءات الجزائية فضلا عن بعض النصوص الأخرى كمجلة الغابات أو مجلة الديوانة التي تتيح ابرام صلح جزائي- ثم يتم ترتيب هؤلاء ترتيبا تنازليا من الأكثر تورطا الى الأقل تورطا بحساب المبالغ المحكوم بها عليهم، كما يتم ترتيب المعتمديات في تونس ترتيبا تنازليا من الأكثر فقرا الى الأقل فقرا فيتولى الأكثر تورطا ارجاع المبالغ الى المحرومين أكثر من غيرهم و ذلك بالاستجابة الى مطالب الأهالي في كل معتمدية بما في ذلك البنية التحتية و المؤسسات الاستشفائية و التربوية و بيوت للسكن و غيره مما يطالب به الأهالي. و لا يتم ابرام الصلح النهائي الا بعد أن يقدموا ما يثبت أنهم قاموا بتلك المشاريع و الاستجابة لتلك المطالب في حدود المبالغ المحكوم بها عليهم، غير أن في ذلك الوقت وجدت هذه الفكرة رفضا تاما و تم تحريك أبواق من قبل العديد من الأطراف لاجهاضها. كنت قدمت الفكرة الى أعضاء المجلس التأسيسي و دافعت عنها في عديد المنابر الاعلامية و قلت أن الطريقة حتى تعود هذه الأموال للمحرومين و للبؤساء في المقام الأول، يعني كان يمكن أن تحول تونس الى حضيرة أشغال، بالطبيعة هناك اجراءات أخرى منها احداث لجنة في كل ولاية تتولى الاشراف و التنسيق بين كل المعتمديات الى غير ذلك، لكن قيل في ذلك الوقت أن هذا غير مقبول في حين أنهم اليوم يتحدثون عن مشروع قانون المصالحة، فلماذا لا تتم المصالحة مع الشعب التونسي مباشرة بهذا الشكل.
لا يمكن أن تبقى الأمور على النحو التي هي عليه الآن و لكن اذا لم نعرف الحقيقة و بقيت الملفات مغلقة و لا يعرفها الا عدد قليل من الأشخاص فان المصالحة لن تتم، يعني المصالحة ستكون بين السلطة و بين هؤلاء لكن القضية المفروضة أن تكون المصالحة مع الشعب التونسي و المصالحة الحقيقية هي أن تعود هذه الأموال الى صاحبها الأصلي و هو البائس و الفقير و المحروم هذه هي المصالحة الحقيقية، مبررات أن الوضع الاقتصادي سيئ، طيب هو كان دائما سيئا و لو لم يكن سيئا لما حصل الذي حصل في تونس، كانت تأتينا دائما أرقام من الخارج و تأتي تونس في مراتب متقدمة، فهل كانت بالفعل في مراتب متقدمة؟ اذن لماذا صار الانفجار الثوري الذي حصل في تونس؟ يبررون أن الوضع الاقتصادي سيئ و هو كان دائما كذلك و خطاب الأزمة هو آداة للحكم فيتم دائما التركيز على الأزمات لتبرير بعض الاختيارات التي هي في رأيهم نتيجة لهذه الأزمة، لا نعيش في تونس الا في ظل هذا الخطاب الذي تحول بالفعل الى آداة من أدوات الحكم.
-هل نستطيع أن نفهم أن تمرير قانون المصالحة هو خطوة نحو تكريس أكبر لنفوذ رجال الأعمال في تونس؟
قد يكون ذلك و لا أحكم على النوايا و لكن هذا المشروع بصيغته الحالية و بالاجراءات التي جاء بها هو نتيجة لهذا، ثم ان المال و أصحاب رؤوس الأموال يسعون الى السلطة أو الى التأثير فيها، و السلطة ان لم تكن نابعة حقيقة من الارادة الشعبية فانها تسعى الى المال حتى يكون لها آداة للحكم. اليوم تبريراتهم غير واقعية، اذ فضلا عن المسائل ذات البعد القانوني المتعلقة بدستورية هذا المشروع هناك تبريرات غير مقنعة، و لنكن صرحاء، هيئة الحقيقة و الكرامة و قانون مسار العدالة الانتقالية جاء نتيجة توازنات سياسية أبرزتها انتخابات 2011، تغيرت التوازنات السياسية بعد انتخابات 2014 فصارت القضية بالنسبة اليهم كيف يعملون من أجل أن لا تبقى تلك الهياكل أو تلك المؤسسات التي أفرزتها انتخابات 2011 قائمة، تغيرت التوازنات فتغيرت الخيارات، يعني من 2011 الى 2014 توازنات جديدة و بطبيعة الحال ما جاءت به التوازنات السابقة يجب أن يتم تغييره بأي طريقة كانت.
-التوازنات، يحيلنا هذا المصطلح على مستجدات الساحة السياسية و بالتحديد الانشقاق الذي تشهده حركة نداء تونس في الفترة الأخيرة، أي تأثير لما يجري على مجلس النواب بصفة خاصة و على المشهد السياسي عامة؟
فلنبدأ بالوضع السياسي، لا تزيد هذه الانشقاقات الا اهتزازا لثقة المواطن في الطيف السياسي بوجه عام و الثقة مهتزة أصلا و لن تزيدها هذه الصراعات الا اهتزازا، دليل على أنها مهتزة هو نسبة المشاركة في الانتخابات الماضية التي لم تتجاوز تقريبا الا بقليل الثلث من الناخبين المحتملين و خاصة الناخبين الشباب غير معنيين بهذه الانتخابات، هناك قطيعة مرة أخرى حصلت بين هذا الطيف السياسي و بين أغلبية التونسيين. هذه الانشقاقات، لماذا تحصل؟ هل أن هناك اختلافات جوهرية بين الشقين أو الشطرين حول مشاريع قوانين، حول برامج، حول تصورات بالنسبة للمستقبل أم أن الأمر يتعلق باختلافات تتمثل في الاستعداد للانتخابات القادمة؟
دليل أن الأمر يتعلق ببرامج أو باختيارات اقتصادية و اجتماعية هو أنهم كانو يصوتون بدون أي مشكل على مشاريع القوانين التي تتقدم بها الحكومة، اليوم انشقاقاتهم و تصدع هذا التنظيم الى نصفين هو استعداد للمواعيد الانتخابية القادمة التشريعية أو الرئاسية، منذ الآن يستعدون و كل طرف  يستعد من موقعه، قد تكون الصورة واضحة عن كيفية استعدادهم و من سيستفيد و قد يظهر بعض الأشخاص الذين سيستفيدون من هذا الانشقاق.
من ناحية أخرى، يبدو أن الحكومة غير غاضبة و غير مكترثة أصلا بما يحصل خاصة و أن حتى المنشقين في البيان الذي أعلنوا فيه انسلاخهم عن الكتلة قالوا أنهم يواصلون مساندتهم للحكومة، الحكومة كأنها غير معنية بل انها تستمد وجودها لا من الأغلبية داخل البرلمان و لكن من جهة أخرى غير معروفة و غير معنية من الناحية الدستورية الأمر الذي لم تستفيد منه الا حركة معينة، حركة النهضة قالت انها تدعم الحكومة، معنى ذلك أن الحكومة مازالت قائمة و لن تطالها آثار هذا الانشقاق. غير مطروح تماما أيضا أن تسحب الثقة منها و لا أن يلجأ رئيس الجمهورية الى الفصل 99 ليطلب التصويت على الثقة عليها، و حتى ان لجأ الى ذلك كما يتيح له الفصل 99 من الدستور ستصوت لفائدتها أغلبية مريحة.
هناك تداعيات على عمل المجلس على مستوى اللجان، بالنسبة الى رؤساء اللجان بالتأكيد قد يكون هناك تأثير و لكن هذه صراعات داخل حزب معين نتيجة لترتيب أوضاع للاستفادة منها في المستقبل و خاصة في المواعيد الانتخابية القادمة التي يمكن أن تأتي في أوانها و يمكن أن تأتي قبل أوانها المحدد في نص الدستور.
-حركة النهضة أكبر المستفيدين و لعلها لاعب بارز في ما تشهده حركة نداء تونس، هذا ما ذهب اليه بعض السياسيين فما رأي الأستاذ قيس سعيد في هذا؟
لا أعتقد أن ما يحصل هو بايعاز من جهات معينة، دائما تظهر هذه الاتهامات بايعاز من هذا الطرف أو ذاك لكن لا أعتقد أن تدخل طرف آخر و تحديدا حركة النهضة في هذا الاطار و في هذا الصراع الدائر، حركة النهضة على الأقل في هذه المرحلة قالت أنها غير معنية بهذا الصراع و أنها تدعم الحكومة و أن الصراع لن تستفيد منه على الأقل في هذه المرحلة، قد تستفيد منه في المستقبل يعني تبقى هي القوة رقم واحد قائمة الذات اذا تم الانشقاق و جاء حزب آخر من رحم نداء تونس. كانت يمكن أن تستفيد و لكن على الأقل في المرحلة الراهنة لا تبدو حركة النهضة مستعجلة في الاستفادة من هذا الصراع. حتى بين حركة النهضة و حركة نداء تونس، ما هو الخلاف حول القضايا الاقتصادية و الاجتماعية؟ ليس هناك خلافات جوهرية بين الحزبين، التصويت على مشروع قانون المالية للسنة الماضية مثلا جسد نفس الاختيارات الاقتصادية و الاجتماعية للطرفين اللذان يتعايشان بسهولة و يسر و يبدو أن التعايش مازال مستمرا على الأقل في هذه الفترة.
-نبقى دائما في اطار الحديث عن الائتلاف الحاكم و نتناول موضوعا أثار ضجة كبيرة في الأوساط السياسية خاصة، بنك لازارد و وزير التنمية و الاستثمار ياسين ابراهيم.
هي قضية أكبر بكثير من أن تتعلق بشخص واحد، القضية هي كيف أن يكون القرار قرارا وطنيا و من المهين للتونسيين أن نلتجئ الى مؤسسات مالية أجنبية هي التي ستتولى تحديد أولوياتنا، نحن نحدد أولوياتنا، بعد الاستقلال و عندما تم وضع المخطط الثلاثي الأول هل تم اللجوء الى خبراء أجانب أو مؤسسات أجنبية؟ يعني للأسف هذه اهانة لتونس و اهانة للتونسيين، لدينا ما يكفي من الخبرات التي تستطيع تحديد الأولويات، و أولا الأولويات يحددها الشعب التونسي و كما قلت في البداية التونسي طالب أن يكون مواطنا حرا محفوظ الكرامة في وطن حر محفوظ الكرامة و الالتجاء الى خبراء أجانب لسنا في حاجة اليه و طلبت في وقت من الأوقات أن لا يضع أي أجنبي قدميه داخل قصر باردو عند وضع الدستور، لسنا في حاجة الى هؤلاء، القضية الحقيقية هي في القرار الوطني، حين يكون القرار الوطني مفقود بطبيعة الحال سنسمع من حين الى آخر بمثل هذه الممارسات.
-هل تمثل هذه القضية القسم الظاهر فقط من جبل الجليد؟
قد يكون ذلك و بالتأكيد ما لا نعلمه أكثر مما نعلمه لكن الاتفاق تم تبريره بمبررات قابلة للنقاش بصفة كبيرة، اذ حتى من الناحية القانونية هناك تجاوز لكن أعيد مرة أخرى القول أن القضية تتعلق بسيادة تونس و بالقرار الوطني، اذا كان هناك من يقبل بالانخراط في مشاريع أجنبية و يستمد وجوده من هذه المشاريع و المخططات الأجنبية فانه بطبيعة الحال سيعمل لفائدة هذا الطرف أو ذاك، هي ليست تهمة موجهة لشخص معين لكن القضية أعمق بكثير من أن تختزل في شخص واحد أو في وزير أو في كاتب دولة، القضية هي أن نستعيد سيادتنا و أن نستعيد قرارنا الوطني، القضية هي عندما يذهب رئيس دولة أو رئيس حكومة أو وزير حتى لأكبر و أقوى دولة في العالم يجب أن يمثل الشعب و يتبنى مطالبه فيحفظ سيادة تونس و يحفظ كرامة الوطن.
-حزب التحرير استغلال الديموقراطية و تقويض نظام الدولة، ما هي وجهة نظر أستاذ القانون الدستوري حول هذا العنوان؟
حزب التحرير يعمل في نطاق شرعي اذ أنه قد حصل على التأشيرة و ليس تنظيما سريا، خطابه واضح و لا يدعو الى العنف. لحزب التحرير قضية و أرضية خاصة كما أن له قراءة للتاريخ، حزب التحرير ليس في تونس فقط بل هو في عديد الدول الأخرى، ظهرت منذ البداية مع تقي الدين النبهاني في تحليله للتاريخ و قراءته للسلطة السياسية و في المؤامرة التي أطاحت بالخلافة العثمانية و كيف قامت بعد ذلك الدولة التركية، هذا تصوره و هو قابل للنقاش، يعني شكل نظام الخلافة و ليست الجمهورية قابل للنقاش و لكن يستمد وجوده من قراءة معينة للدين و من قراءة خاصة لتدخل القوى الأجنبية في المنطقة العربية الاسلامية و قضية حدود سيكس- بيكو و ما نتج عن ذلك و يطرح مواجهة هذه المؤامرات و اسقاط الدول داخل الأمة. هذا هو خطاب حزب التحرير و لا ننسى أنه حاصل على التأشيرة و الخلافات بالأساس حول شكل النظام فهو بالنسبة اليه الشكل الوحيد هو الخلافة في دولة نظامها جمهوري، هذه دعوته و على أساس هذه الدعوة تم منحه التأشيرة. هل أنه اليوم صار يسعى الى قلب نظام الحكم؟ لا أعتقد ذلك و لا ننسى أنه حصل على التأشيرة بناءا على تصوراته هذه و بناءا على قراءته للتاريخ كما نذكر أنه لم يدع الى العنف اطلاقا و كل أدبيات حزب التحرير منذ تأسيسه تقع في اطار فكر تحرير الأمة و هو الفكر الذي يقوم عليه و لربما حان الوقت بالنسبة اليه لأن يراجع المسألة المتعلقة بشكل النظام.
النظام الديموقراطي يفترض أنك تقبل بالديموقراطية، هو لا يرفض الديموقراطية و لكن يرفض شكل النظام و هذه هي القضية الجوهرية، يعني هل أنه سيسعى الى تقويض الديموقراطية؟ لا، فالقضية بالنسبة اليه أنه سيعمل بقواعد الديموقراطية و لكن يرمي من خلال هذه القواعد الى أن يكون النظام له شكل مختلف عن الشكل الذي هو عليه الآن، كما قلت ربما حان الوقت اليوم لمراجعات كبرى تتعلق بالشكل حتى لا تبقى عقبة أمامه للسعي نحو تحقيق قضيته.
-هل يمكن أن نفهم أنكم ترون مفهوم الديموقراطية أخذ بعدا أشمل على المستوى النظري و التطبيقي على حد سواء؟
نحن في تونس و في العالم اليوم في حاجة الى مراجعة العديد من المفاهيم لكن الديموقراطية التي تحدثت عنها، و هي فرصة لأن أذكر بذلك، الديموقراطية تبنى من المحلي نحو المركز بانشاء المجالس المحلية في كل معتمدية يتم انتخاب أعضاءها بطريقة الاقتراع و لا يتم قبول الترشح الا اذا تم تقديم المترشح من قبل الناخبين و الناخبات، و يتم الاتفاق بين المترشح و المرشحين الذين يقبلون بتقديم الترشح حول البرنامج الذي سيسعى الى تطبيقه في حال انتخابه ثم الوكالة التي يقوم عليها انتخابه تبقى قابلة للسحب فاذا لم يعد الذي تم انتخابه يحظى بثقة المواطنين أثناء المدة النيابية سحب الوكالة حسب الاجراءات التي يحددها القانون، أيضا بالنسبة للمجلس المحلي أن يشرف على الأمن في المعتمدية و يكون عضوا في هذا المجلس المحلي و لا يتم تعيينه من قبل ادارة مركزية الا بناءا على قرار مبني على تزكية من أغلب أعضاء المجلس المحلي حتى يكون مسؤولا لا فقط أمام الادارة التي عينته بل و أيضا أمام الأهالي أنفسهم كما يكون لذوي الاعاقات ممثلين داخل المجلس المحلي لأنه لا يكفي وضع فصل في الدستور أنهم يجب أن يكونوا مشاركين في القرار، و من هذا المجلس المحلي في كل معتمدية يتم الاقتراع على أعضاء المجلس الجهوي بحساب نائب عن كل معتمدية ثم يتم الاختيار على من سيتولى تمثيل هذه المجالس المحلية في المستوى المركزي، السلطة التشريعية المركزية تتكون من ممثلين عن كل مجلس محلي الى جانب ممثلين عن التونسيين في الخارج، في المستوى المحلي يبقى النائب مسؤولا أمام الناخبين الذين انتخبوه و بامكانهم عزله. الديموقراطية بهذا الشكل التصاعدي ديموقراطية تمثيلية بالانتخابات و لكنها بالأساس تحت رقابة يومية مباشرة من قبل الناخبين في المستوى المحلي، مستقبل الديموقراطية هي الديموقراطية المحلية و في ذلك الوقت ستأتي التشريعات الوطنية التي تستجيب حقيقة لمطالب التونسيين بعيدا عن القضايا المفتعلة و عن الترتيبات التي تحصل بين الأحزاب. اليوم في ظل قانون الانتخاب هذا لا يشعر المنتخب أبدا أنه مدين لمن انتخبه لكن يشعر أنه مدين لمن رشحه للانتخابات في الهيئة المركزية للحزب التي قامت بترشيحه.
هل تريد أن نختم بكلمة أخيرة؟
تونس تستحق أن تكون في وضع أفضل بكثير من الوضع الذي نعيشه اليوم، ما يحصل اليوم هو امتداد للاستعمار، للأسف تضفى مشروعية وهمية شكلية دون قطع حقيقي و دون بناء جديد حقيقي، البناء يقتضي قراءة التاريخ و الاتعاظ به و الانصات الى المطالب الحقيقية للتونسيين و للشباب التونسي. اليوم، من ينظر الى الخلف يرى أن ما حصل في ثوب في الظاهر جديد لعقد يحمل تاريخا جديدا هو في الواقع قديم، الآليات التي يتم استعمالها و اللجوء اليها هي آليات قد عفى عليها الزمن، آليات بائسة قديمة لم تعد تستجيب الى مطالب التونسيين و لم تعد قادرة على الاستجابة للمرحلة التي نعيشها اليوم. تونس مليئة بالكفاءات و لديها ثروات و لديها ثروتها البشرية التي يمكن أن تجعل الوضع أفضل مما نعيشه اليوم عشرات و عشرات المرات. ما نعيشه الآن هو تراكمات منذ الاستقلال الى اليوم، النظام لم يعد بامكانه أن يواصل، النظام فقد مشروعيته و يريد الآن أن يجدد نفسه بهذه الطريقة.
 
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

رئيس تجمع الأشراف الليبي لـ”السفير”: مشروع ميثاق الشرف من أجل السلام سيكون لكل الليبيين ومن أجل أمتنا الليبية..

تونس – السفير • تونس منَّا ونحن منها .. السيد المهدي الشريف أمين عام تجمع أشراف ليبي…