YOUR EXISTING AD GOES HERE

تركيا – السفير
تعتبر تركيا من أكثر الدول نجاحا وتطوّرا على كافة المستويات ولاسيما منها المجالين الاقتصادي والعسكري منذ سنة 2002، أي منذ وصول حزب العدالة والتنمية للحكم بقيادة زعيمه رجب طيّب أردوغان. ففي المجال الاقتصادي تمثل الدولة التركيّة اليوم قوّة اقتصادية صاعدة في الشرق الأوسط وهي مرشحة أن تكون منافسة مهمة للدول الأوروبية خاصة إيطاليا وإسبانيا وأن تكون أكبر قوة اقتصادية في دول بحر المتوسط حسب تقديرات معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.
أما عسكريا فتعتبر تركيا قوة مهمة على المستوى العالمي، حيث يبلغ عدد أفراد جيشها 670 ألفا، وهي ثاني أكبر جيوش حلف شمالي الأطلسي الناتو بعد الجيش ألأمريكي، و تقدر ميزانيتها بنحو 18 مليار دولار، وهو ما جعلها تحتل المرتبة 15 عالميا في الإنفاق العسكري.
كلّ هذه النجاحات الاقتصاديّة والعسكرية الباهرة جعلت تركيا تشهد ربيعا سياسيّا مزدهرا تعزز بوصول حزب العدالة والتنمية ذي الأصول الإسلامية والذي أصبحت تركيا في عهده دولة ديمقراطيّة حقيقية تعززت فيها الحريات بأنواعها وحقوق الإنسان محليا وخارجيّا حتى باتت الجمهورية التركيّة تلعب أدوارا إقليميّة ودوليّة أساسيّة خاصة فيما يتعلق بجيرانها من الدول العربيّة والإسلامية وقضيا الشرق الأوسط على وجه الخصوص.
ورغم كلّ هذه الإنجازات والمكاسب التي عرفتها تركيا، يبدو أنّ خطر بعض أعدائها لم ينقطع نهائيّا، بعد أن كشفت الشرطة التركيّة خلال السنوات الماضية بعض مخططات ما عرف بالكيان الموازي الذي يتزعمه فتح الله غولن المقيم في بنسلفانيا بالولايات الأمريكيّة المتحدة، والذي كان يهدف للانقضاض على الدولة والمسك بزمام الأمور عبر اختراق مختلف المؤسسات والإدارات الحساسة وإسقاط حكومة العدالة والتنمية.
وقد عانت تركيا سابقا أربعة انقلابات عسكريّة منذ سنة 1960 باعتبار أنّ الجيش في تركيا كان قويّا ومتعهدا بحماية الطابع العلماني الذي فرضه مؤسس الدولة الحديثة مصطفى كمال أتاتورك بعد إسقاط الخلافة العثمانية سنة 1924.
وفي ليلة الخامس عشر من جويلية لسنة 2016، لم يكن الشعب التركي يعلم أنها ستكون ليلة فارقة وغير مسبوقة في تاريخ تركيا الحديث. إذ تفاجأ الأتراك وكلّ العالم بمحاولة انقلابية عسكريّة غير متوقعة لاسيما في دولة ديمقراطيّة قوية وصاعدة مثل الدولة التركيّة.
2016-11-27_044520
ماذا حدث ليلة 15 جويلية/يوليو 2016؟
في ليلة 15 يوليو، حاولت مجموعة صغيرة من الجيش مرتبطة بمنظمة فتح الله غولن (فيتو) الإرهابيّة تنفيذ انقلاب ضد الحكومة التركية المنتخبة والرئيس رجب طيب أردوغان ولكنه فشل في نهاية المطاف. حيث حاول مدبرو الانقلاب الاستيلاء على المحافظات الرئيسية في تركيا بما في ذلك اسطنبول وأنقرة. إلاّ أنّ قوات الشرطة، والغالبية العظمى من الجيش، ووكالة الاستخبارات الوطنية (MIT) وأعضاء من البيروقراطية والأحزاب السياسية والمجتمع المدني، وقفت كلّها ضد المحاولة الانقلابية، وخرج الشعب إلى الشوارع صدا للدبابات والانقلابيين استجابة لدعوة الرئيس أردوغان. وانتهت المحاولة الفاشلة بفقد 238 حياتهم بين عسكريين ومدنيين وجرح 2190 آخرين.
2016-11-27_044328
كيف وأين؟
بدأت محاولة الانقلاب في ليلة 15 يوليو حوالي الساعة التاسعة والنصف مساء بالتوقيت المحلي، عندما حوصرت الطريق المؤدية إلى جسر البوسفور من قبل الانقلابيين وحلّقت طائرات F-16 الحربية على ارتفاع منخفض فوق أنقرة. وقد تم إنهاء هذا الهجوم من قبل الانقلابيين والسيطرة عليه في جميع أنحاء البلاد حوالي الساعة 08:00 من صباح اليوم الموالي 16 يوليو.
ويذكر أنّه تم تغيير التوقيت الزمني لمحاولة الانقلاب إلى ساعة مبكرة بعد أن تفطّنت وكالة المخابرات التركيّة MİT لمحاولة الانقلاب حوالي الساعة الرابعة 16:00 عصرا من يوم 15 جويلية/يوليو وتم إبلاغ الشخصيات الرئيسية في الجيش بذلك من قبل رئيس المخابرات هاكان فيدان. وهو ما دفع الانقلابيين إلى تقديم موعد تنفيذ خطتهم إلى الساعة 21.30 بدل الساعة الثالثة فجرا كما كان مقررا في البداية، عندما شعروا بتفطن وكالة المخابرات للمخطط الانقلابي.
2016-11-27_044353
ماهي الأماكن المستهدفة؟
هاجم الانقلابيون الناس في الشوارع بالدبابات وطائرات الهليكوبتر وتم إطلاق الرصاص الحي على المدنيين الذين تصدّوا للدبابات، وتمّ إرداء الأبرياء على الطرقات وقرب النقاط الاستراتيجية الرئيسية باستخدام القناصة. كما قصفت F-16 التي يسيطر عليها الانقلابيون البرلمان، والمجمع الرئاسي بأنقرة والعديد من المؤسسات الهامة الأخرى.
استهدف الانقلابيون المدن التركية الرئيسية، بما في ذلك اسطنبول وأنقرة وحاولوا احتلال مؤسسات الدولة الرئيسية، مثل وسائل الإعلام والقواعد العسكرية بالدبابات والطائرات الحربية. كما تم قصف واستهداف المنطقة الغربية من مارماريس حيث كان أردوغان يقضي عطلته هناك. وقام الانقلابيون بمحاولة القبض على الرئيس أو قتله في النزل الذي كان يقيم فيه في مارماريس.
واستخدمت بعض المحافظات الأخرى في تركيا كقواعد لمدبري الانقلاب. وقد ارتفعت احتجاجات في أنحاء البلاد طوال الليل في المحافظات التركية المتضررة من المحاولة الانقلابية العسكرية الفاشلة.
2016-11-27_044757
من هم المنفذون؟
حاولت منظمة غولن الإرهابيّة “فيتو FETO” وأتباعها الاستيلاء على الدولة التركية، بعد أن تسلل وتغلغل عدد كبير من أتباعها في مؤسسات الدولة الرئيسية منذ سنة 1970. وكان غولن يخطط للرجوع إلى تركيا باعتبارها “المنقذ” حسب عقيدة حركته الدينية، في صورة نجاح الانقلاب، كما فعل آية الله الخميني في عام 1979 إبّان الثورة الإسلامية الإيرانية.
بدأت الحكومة التركية بالقضاء على العناصر التابعة للـ”فيتو” داخل الدولة عندما انكشف الهدف الحقيقي من تأسيس الحركة قبل بضع سنوات. ففي السنوات الأخيرة،أعلنت الدولة التركيّة حركة غولين منظمة إرهابية. مما دفع بعناصر الجيش المرتبطين ب”فيتو” لإجراء محاولة انقلاب عسكري في 15 يوليو/ تموز 2016، بعد أوامر من عناصر المنظمة في القضاء. وكان من المتوقع أن يتم القبض على ما يقرب من 800 جندي و60 جنرالا، تبين من خلال برنامج Bylock في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أنهم مرتبطين بمنظمة غولن ومورطين في قضايا تجسس. وهو ما دفع بهؤلاء إلى التعجيل بتنفيذ المحاولة الانقلابيّة قبل إيقافهم أو عزلهم من مناصبهم للتهمة المذكورة.
2016-11-27_045550
تفاصيل الساعات الأولى للانقلاب
كشفت مصادر إعلاميّة منذ الوهلة الأولى عن تفاصيل مثيرة حول انقلاب تركيا الفاشل، حيث تحصلت وسائل إعلامية على نسخ من مراسلات الانقلابيين في تركيا للاستيلاء على السلطة، وفيها تعليمات تتعلق بتفاصيل السيطرة على مقاليد الحكم وإعلان الطوارئ، كما تكشف عن توجه ثلاث مروحيات للفندق الذي كان يقيم فيه الرئيس رجب طيب أردوغان بهدف قتله أو اعتقاله.
وتكشف المراسلات التي كشفتها فيما بعد العديد من المصادر الإعلاميّة، تفاصيل ومهام الانقلابيين في الساعات الأولى من الانقلاب.
حيث كان مخططا أن يبدأ الانقلاب في الساعة الثالثة فجرا (بالتوقيت المحلي)، لكنَّ أمرا طارئا دفعهم إلى التعجيل ببدء التحرك في مدينتي أنقرة وإسطنبول، وهو الكشف عن المخطط من قبل وكالة الاستخبارات الساعة الرابعة مساء من ليلة الانقلاب، والسيطرة على المباني الحكومية الرئيسية والجسور ورئاسة الأركان والمطارات.
وجاء فيها أن الانقلاب بدأ في الساعة التاسعة والنصف (بالتوقيت المحلي)، حيث نزلت القطع العسكرية إلى المدن، وخلال ربع ساعة تمت السيطرة على جسري مضيق البوسفور في إسطنبول، ثم بعد ذلك بعشر دقائق جاءت الأوامر بالسيطرة على مبنى قناة “تي آر تي” الحكومية.
وتؤكد المراسلات أيضا أن القطع العسكرية وصلت إلى مطار أتاتورك في إسطنبول لمحاصرته في تمام الساعة العاشرة من مساء 15 جويلية/ يوليو تموز 2016، وأن الانقلابيين واجهوا مقاومة من قبل الشرطة في منطقة بيرم باشا وسط إسطنبول.
وبحسب مراسلات “الواتساب” أيضا، سيطر الانقلابيون على مبنى الأمن (أمنيات) في شارع الوطن بإسطنبول، فجاءت الأوامر بترقب وصول قادة القوات الأمنية ليتم اعتقالهم من قبل الانقلابيون.
وقد تم تسريب نسخة من مجموعة المراسلات- عبر تطبيق “واتساب”- للتواصل بالهواتف الذكية جرت بين قادة الانقلاب وعدد من المشاركين فيه، حيث تم التواصل بينهم عبر إنشاء مجموعة في التطبيق، ترسل من خلالها الأوامر إلى المنفذين ويتم تلقي الردود عليها ومشاركة مختلف المعلومات والأخبار الحينية بخصوص تنفيذ العمليّة.
كما تضمنت المراسلات أدلة تثبت استعداد بعض عناصر الشرطة للانضمام إلى الانقلابيين، وأكدت اكتشاف السلطات للمؤامرة حوالي الساعة العاشرة، ما دفع قادة الانقلاب إلى إرسال أوامر إلى جنودهم تطالبهم بإطلاق النار على كل من يقاومهم من قوات الأمن، كما تضمنت إيعازا للقوات الانقلابية على الجسور بالسماح لبعض المواطنين المحاصرين بالخروج ومواجهة أي عنصر شرطة يحاول العبور، وقتله في حال إصراره على المقاومة.
2016-11-27_044631
وأكدت مصادر مطلعة أن ثلاث مروحيات تابعة للقوات الخاصة العسكرية وصلت إلى فندق بمدينة مرمريس كان يقيم فيه أردوغان، وعلى متنها أربعون جنديا في محاولة لاعتقال الرئيس أو قتله، بينما كان أردوغان قد غادر الموقع بمروحية خاصة قبل موعد وصولهم بنصف ساعة تقريبا، واشتبك الحرس الرئاسي مع الجنود قبل أن يفر عدد منهم عبر الجبال بعد تعطل إحدى المروحيات.
كما تم اعتقال قائد قوات الدرك في بورصة العقيد يورداك أكول كوش بعد ثلاث ساعات من المحاولة الانقلابية، وفي حوزته قائمة بأسماء أكثر من ثمانين شخصية يفترض أن يديروا البلاد في المرحلة التالية للانقلاب بعد إعلان حالة الطوارئ، وهم ضباط في الجيش ووزراء وقضاة ومدعون ومحافظون.
وأكدت نسخ المراسلات أن قائد القوات الجوية السابق الجنرال “أكن أوزتاك” هو مدبر محاولة الانقلاب، وأن الخطة كانت تقتضي إعلان حالة الطوارئ وحظر التجول، ووقف الطيران في الساعة السادسة فجرا، وهو الأمر الذي لم يتم.
2016-11-27_051302
“الفيتو” المنظمة الإرهابية المسؤولة عن الانقلاب؟
الإمام الهارب فتح الله غولن، الذي يعيش في منفى اختياري في بنسلفانيا ويدير المنظمة الإرهابية “فيتو”، هو قائد محاولة الانقلاب، التي قام بها أتباعه، على الرغم من أنه سارع لإنكار أية صلة له بمحاولة الانقلاب الفاشلة. الشهادات والأدلة التي تم الحصول عليها من مدبري ومنفذي الانقلاب تشير إلى أنّ غولن هو العقل المدبر للعملية. وهو ما دفع بتركيا للمطالبة بتسليم فتح الله غولن من الولايات المتحدة الأمريكيّة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

معارك غزة.. فرق نفسية لمواجهة الميول الانتحارية لدى الجنود الإسرائيليين

السفير – وكالات أكدت صحيفة يديعوت أحرونوت أن قسم التأهيل في جيش الاحتلال الإسرائيلي …