YOUR EXISTING AD GOES HERE

تونس – السفير – ظافر بالطيبي

لا يختلف اثنان اليوم أننا نعيش في تونس وضعا صعبا ودقيقا للغاية لم تعشه البلاد منذ الاستقلال.

أزمة سياسية أفرزت مشهدا سياسيا جديدا ومفاجئا لم يكن يخطر ببال كهّان السياسة وصنّاع القرار في الداخل والخارج، أفرزت أزمة اقتصادية متفاقمة وزادت من عمق وسوء الوضع الاجتماعي المتردي أصلا…

مجموع أزمات زادتها الأحداث والتطورات الدولية والإقليمية سوءا، لاسيما الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها الاقتصادية والأمنية المتصاعدة.. ما جعل تونس كغيرها من عديد البلدان النامية أمام أزمة غذاء حقيقية انعكست على وضعها الاجتماعي الداخل..

في خضمّ كل ذلك، تضاعفت عمليات “الحرقة” للشباب وحتى العائلات الفارين من “جحيم” الداخل نحو “جنّة” أوروبا الموعودة. فبتنا نرى مشاهد “هروب” التونسيين من وطنهم بشكل يومي وبإخراج درامي تحوّل في كثير من الأحيان إلى واقع تراجيدي مؤلم وفاجع.

هي فاجعة دون أدنى مبالغ، ما وقع في جرجيس، بعد غرق أحد قوارب “الفرار” خلسة من أرض الوطن، وقضاء كل من فيها. فاجعة تضاعفت وتضاعف ألمها عندما أقدمت السلطات المحلية على “جريمة” ثانية في حق المهاجرين حتى بعد موتهم. فعوض تسليم بقاياهم إلى أهاليهم قاموا بدفن ما لفظه البحر منهم في مقابر الغرباء الموجودة في أكثر من مكان على شريط حدود بحر الساحل الجنوبي للبلاد. فزاد الاحتقان والوجع في نفوس كل أهالي الجهة الذين مازال منهم إلى اليوم من لم يجد جثامين أبنائهم..

من جهة أخرى، مئات الآلاف من التلامذة لم يلتحقوا بعد بمقاعد الدراسة بسبب إضراب المعلمين النواب، لعدم حلّ مشاكلهم مع وزارة التربية.. في وضع لا ينبئ بفرج قريب، وفي الوقت الذي تعاني فيه مؤسساتنا التربوية من نقص كبير لمظاهر السلوكات التربوية والأخلاقية ناهيك عن جودة مناهج التعليم والنتائج السنوية..

بعيدا عن ذلك، وبكل اقتضااب، سلطة وجدت نفسها أمام أمر واقع وفي مأزق لم تقرأ له على ما يبدو ألف حساب. ومعارضة سياسية همها الوحيد، كالعادة، كيفية استثمار الأزمات والكوارث والنوازل والزلازل، من أجل الحصول على بعض السلطة أو كل السلطة عبر مزيد السمسرة والاستثمار والابتزاز. فجأة أصبح سياسيون يعلمون ثمن قاروة الزيت وعلبة الحليب والبيض والدجاج والسكر وغيرها من المواد الغذائية الأساسية التي لم تكن تعنيهم فترة حكمهم طيلة السنوات العشر الأخيرة..

بين كل هذه الأزمات والمشاكل والتهديدات الجدية لتماسك الدولة ووحدتها ووحدة مجتمعها، شباب يعاني البطالة والفقر المدقع والتهميش وهو في ربيع العمر وأوج العطاء، فكيف تُقنع أم مثقلة بهموم الحياة ههنا، إبنها الشاب المعطل عن العمل بالصبر والمصابرة وتحمل أعباء واقع لا ذنب له فيه؟ وكيف تثقنعه بالعدول عما سبق إليه غيره من “فرار” من وطن لم يعد أبدا كالوطن بعد أن عاش فيه فقط الفاسدون والناهبون والمجرمون بينما يموت شباب البلاد ومستقبلها غرقا في البحر أو همّا وغمّا وكمدا بين الأزمات والمحن؟ فمن لشباب هذا الوطن ومستقبله ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

همزة: تونس مُفردة في محل جرّ.. بفعل فاعل مبني للمجهول..

تونس – السفير – ظافر بالطيبي يقول اللغويون أنّ الحال دائما ما يكون منصوبا، إلا…