YOUR EXISTING AD GOES HERE

تونس – السفير
بقلم: الخبير الأمني يسري الدالي
قد بنى بن علي نظامه المستبد على المعلومة فجنّد أكثر من نصف الشعب لاستيقائها، وحرص على بعث وتقوية وتعزيز الهياكل التي تعمل من أجل مدّه بالمعلومات في شتى الميادين، منها السياسية على غرار الأحزاب والمنظمات والجمعيات ومختلف الهياكل الإدارية وغيرها، على المستوى المحلّي والجهوي والوطني والدولي، وخصوصا التنظيمات التي يعتبرها غير شرعية، وذلك من خلال الإلمام بكل المعطيات والمعلومات التي تهم أعضاءَها ومناصريها، ومسك بطاقات إرشادات شخصية في شأنهم وقد كانوا يُصنّفون حسب درجة الخطورة التي تُعتمد في تنظيم عمليات المراقبة والملاحقة والمتابعة.
ومنها الإقتصادية على غرار الأنشطة الصناعية والتجارية والفلاحية بما في ذلك قطاع الصيد البحري وقطاع البنوك والتأمين ونشاط المطارات والمواني، وكانت تُحصى جميع المؤسسات الإقتصادية المتمركزة بمرجع نفوذ المركز الأمني، وتُرتّب وفق طبيعة نشاطها وحجم اليد العاملة فيها، وتمسك فيها بطاقات للتعريف بأصحابها والمسؤولين المشرفين عليها وبأعضاء مجالس إداراتها، مع تحديد عدد عمّاليها، والتعريف بأبرز الأشخاص المنتمين إلى تنظيمات سياسية وكذلك الأعوان المشاغبين فيها وبأعضاء الهيئات النقابية وخصوصا بالحرّاس العاملين فيها.
ومنها الإجتماعية، على غرار القطاع التربوي والثقافي والرياضي من مدارس إبتدائية وإعدادية ومعاهد وجامعات ومعاهد عليا ومبيتات ومطاعم جامعية ومراكز تكوين مهني، زيادة على المنظمات الثقافية والشبابية من جمعيات رياضية ونوادي أطفال ودور شباب ودور ثقافة وهياكل كشفية وشبيبة مدرسية ومصائف وغيرها، والقطاع الديني والعقائدي من مساجد وكنائس وبيعات ومذاهب وطرق وملل وزوايا، والقطاع السياحي من نزل ومطاعم سياحية وملاهي ليلية ومتاحف ومواقع أثرية ووكالات أسفار ووكالات كراء سيارات ومقاهي بجميع أصنافها ومحلات الصناعات التقليدية والفضاءات الترفيهية والتنشيطية.
بحيث كانت المنظومة الأمنية لبن علي مبنية على المعلومة المستقاة من دراسة مرجع النظر الأمني، ومحرِّكها الأساسي هو العنصر البشري. ولم تكن التجهيزات المخابراتية ولا عدد رجال الأمن الذي وصل إلى حدود 50 ألف بين شرطة وحرس ليكفي قصد تأمين عمليات الإستعلام، وكانت التعليمات تُعطى كي يكون لكلّ أمني شبكة مخبرين ( وكان يسند لجلّ الأمنيين وخاصة منهم الإطارات ما يسمّى بمصاريف الشرطة Frais de police لمجابهة متطلبات التعامل مع المخبرين) تمثّل أعيُنا للإدارة الأمنية في كافة الميادين المومَإ إليها أعلاه، ينتدبها ( والإنتداب هنا بالمفهوم الأمني وليس الإداري) من بين العناصر التي تحتلّ أماكن حسّاسة بمختلف المؤسسات والتنظيمات والهياكل، ومن بين الأشخاص الذين لهم إطلاع على ما يحدث داخلها. هذا ويتمّ إنتقاء هؤلاء المُخبرين ممّن يُمكن التعويل عليهم، والذين تتوفّر فيهم مواصفات التكتّم والقدرة على الحصول على المعلومة، وبعد التحرّي المعمّق بشأنهم ومعرفة نقاط القوّة والضعف التي تميّز كل فرد فيهم، ومعرفةُ أهوائهم وميولاتهم العقائدية والفكرية والثقافية والجنسية، يتمّ التقرّب منهم عن طريق وسيط قد يكون صديق أو قريب أو شقيق، ويقع ترغيبهم في إقامة العلاقة من خلال تقديم بعض الخدمات إليهم وتسهيل قضاء حاجياتهم وغضّ الطرف عن تجاوزاتهم القانونية بل وتشجيعهم إن لزم الأمر في بعض الأحيان على ذلك إن لم يكونوا يفعلون. ولذلك فإنّك تجد شاحنات المقاولين مثلا يحملون أوزانا أكثر بكثير من حمولاتها، وتجد المطاعم والملاهي لا تستجيب للشروط الصحية ولا تحترم التراتيب الإدارية، وتجد النزل والقرى السياحية غير محترمة لشروط السلامة، وتجد التجار يجولون ويصولون بمواد مهرّبة وأخرى ممنوعة، وتجد سياسيين فاسدين ومسؤلين في شتّى القطاعات القضائية والأمنية والإعلامية والإدارية والطبية والتربوية مرتشين مغضوض عنهم الطرف، وصحافيين يمتلكون دائما السبق الصحفي والتغطية الكاملة لبعض الأحداث، وتجد محامين تعطى لهم دون غيرهم قضايا حوادث مرور معيّنة وجرائم دم وجرائم إقتصادية معيّنة، وتجد جامعيين مقرّبين للسلطة تميّزوا بالتحرّش الجنسي على طلبتهم أو بالمثلية الجنسية يرتقون إلى وظائف سامية في الدولة أو في التجمّع، وتجد سينمائيين ومسرحيين يتمتّعون بمنح لا يتمتّع بها غيره، وتجد فنّانين ونجوما وأثرياء لهم حرّاس شخصيين من الأمنيين يعبرون النقاط الحدودية برّا وبحرا وجوّا دون إنتظار ودائما بالـ”هلاّلو” (حتّى أنّ زوجة أحد رجال الأعمال المتنفّذين في التسعينات لم تلق الترحاب المعتاد من قبل عون أمن حدودي إقتضى الأمر أن يأمرها بنزع حذائها وجد نفسه موقوفا عن العمل ثمّ معيّنا في راس جدير) وتراقب دوريات أمنية مقرات سكناهم بكثافة غير معهودة للـ”زوّالي”، وتجد الزوّالي الذي يخاف على لقمة عيشه ممن يعملون حرّاس عمارات ومؤسسات ومآرب وممّن يعملون كمنظّفين مطّلعين على الوثائق وبقاياها وعلى الأسرار وخفاياها، وممّن لهم أكشاك في الشوارع الرئيسية وبجانب المقاهي والملاهي، وممّن يكرون لوازم المضخّمات، وتجد المجرمين من مروّجي الزطلة ومستهلكيها والنشالة والسرّاق والنطّارة والمفتّش عنهم من أجل شيكات بدون رصيد أو نفقة أو جرائم إقتصادية مغضوض عنهم الطرف.
جميع هؤلاء يصبحون مخبرين وكان أمن بن علي يصنّفهم إلى ثلاثة أصناف ففيهم المخبر الشرفي وفيهم المخبر المغرض وفيهم المخبر بمقابل يتمّ وضعهم في التجربة بتكليفهم بمهمّات بسيطة مع التدرّج إلى حين الوصول بهم إلى مهام أكثر أهمّية، وبعد التأكّد من جدواهم تضبط قائمة فيهم وتعدّ لهم ملفّات شخصية تحفظ في سجلات خاصة..
وأخيرا أريد أن أشير إلى أنّ بعضا من هؤلاء المخبرين كانوا موجودين يوم ذكرى الإحتفال بعيد الشهداء يوم 09 أفريل 2012 بشارع الحبيب بورقيبة بتونس العاصمة لمساعدة أسيادهم إعتقادا منهم بأنّ ذلك سيساعدهم على البقاء كمسؤولين في وزارة الداخلية وسيبقون هم يتمتّعون بامتيازاتهم إمتيازات مخبر…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

تمديد الاحتفاظ بإطارين من وزارة المالية بشبهات فساد

تونس – السفير  أذنت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس لأعوان الوحدة الوطنية…