YOUR EXISTING AD GOES HERE

تونس – السفير
حاوره عبد السلام سكيّة (الشروق الجزائرية)
يكشف مدير الأمن الرئاسي السابق في تونس، رفيق الشلي، في هذا الحوار، جوانب مهمة من حياة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، من بداية “تغوله” وهيمنته على الحياة العامة في البلاد، إلى بداية النهاية باستسلامه لنزوات زوجته ليلى واصهاره الطرابلسية، كما يتحدث المسوؤل الامني السابق عند القبضة الحديدية التي استعملها بن علي ضد خصومه خاصة مع الإسلاميين.

من هو بن علي وكيف وصل الى سدة الحكم؟
زين العابدين بن علي هو ضابط بالجيش الوطني وكان سنة 1974 على رأس ادارة الأمن العسكري الا أنه عندما قدم العقيد القدافي اقتراح الى الرئيس الحبيب بورقيبة في مدينة جربة بعد امضائه على اتفاقية الوحدة بين كل من تونس والجماهرية الليبية يتعلق بتشكيل حكومة الوحدة وبعض الوظائف العليا اتضح وجود اسم زين العابدين بن علي مقترح على رأس ادارة الأمن العسكري مما أدخل تساؤل لدى كل من الوزير الأول آنذاك الهادي نويرة ووزيري الدفاع والداخلية عن الأسباب التي جعلت العقيد معمر القدافي يقترح هذا الاسم وما هي نوع العلاقة بين بن علي والنظام الليبي خاصة أن تلك الفترة اتسمت بعدم الثقة والاحتياط تجاه النظام الليبي. ولهذا الغرض وقع ابعاد بن علي من هاته المهمة وتعيينه كملحق عسكري بالمملكة المغربية. ورغم الأبحاث التي أجريت لمعرفة حقيقة العلاقة لم تتوصل الى نتيجة.
الا أنه في أواخر سنة 1977 وعلى اثر الأزمة التي اندلعت بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل (UGTT ) وفي نطاق سياسة التصعيد مع الاتحاد وقع تعيين العقيد زين العابدين بن علي مديرا عاما للأمن الوطني وذلك في الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر 1977 , وقد عاشت تونس يوم الخميس 26 جانفي 1978 ما سمي بالخميس الأسود وهي مصادمات بين قوات الأمن و المتظاهرين كانت حصيلتها العشرات من القتلى والمآت من الجرحى . وكانت قوات الأمن المتصدية للمتظاهرين تحت قيادة بن علي.
وفي جانفي 1980 كانت عملية قفصة التي أعدها النظام الليبي باستعمال عناصر تونسية معارضة تدربت وتجهزت من طرف ليبيا بالأسلحة اللازمة وذلك لبث الفوضى والذعر بقفصة على أساس القيام بانقلاب ضد نظام بورقيبة وعند نجاح المجموعة المسلحة الهاجمة يساندها النظام الليبي . وقد أسفرت عن عديد من القتلى واتضح أن مصالح الأمن لم تقم بواجبها باستغلال ما لديها من معلومات لاكتشاف هذه المؤامرة رغم المعلومات التي وصلتها والتي أفادت بها جهاتنا الرسمية بكل من طرابلس ودمشق والتي تعلم للاعداد لمثل هاته العملية.
وتبين أن بن علي خلال سنتين من ترأس الادارة العامة للأمن الوطني بدأها باستعمال القوة الفادحة أدت الى عشرات القتلى وختمها بعشرات القتلى كذلك في عملية قفصة لتقصيره في آداء مهمته ولذلك وقع وضع حد لمهامه ووقع تعيينه سفيرا ببولونيا.
كما يجب اضافة أنه خلال تلك السنتين وقع اكتشاف مجموعة من الأسلحة من نوع كلاشنكوف بصحراء الجنوب قرب الحدود الليبية كانت معدة لأن تتسلمها عناصر من المعارضة التونسية ورغم التأكد من أن مصدرها النظام الليبي الا أن الأبحاث التي أجريت تحت قيادة بن علي لم تبين ذلك.
وكل هاته الحالات جعلت الشكوك تحوم حول مدى العلاقة المشبوهة بين بن علي والنظام الليبي.
ورغم ذلك وقع تعيينه من جديد على رأس الادارة العامة للأمن الوطني سنة 1984 اثر حوادث الخبز وذلك بايعاز من رجل الأعمال المعروف كمال لطيف الذي له علاقة متينة بالوزير المازري شقير الرجل الثاني في الحكومة بعد الوزير الأول محمد مزالي مما جعله قادرا على هذا التعيين. وهكذا تمكن بن علي من فرض سلطته على وزارة الداخلية ثم رآسة الحكومة متركزا على الأمور الأمنية وخاصة ملاحقة “الاسلاميين” الذي صورهم للرئيس الراحل الحبيب بورقيبة على أساس أنهم يمثلون خطرا محدقا على البلاد وأنه يتحكم في كل الأمور لمجابهة خطر الاسلاميين أنصار تنظيم الاتجاه الاسلامي الذين تولوا القيام بعمليات ارهابية منها تفجير نزل بكل من مدينتي سوسة والمنستير في صائفة 1987 مما جعل بن علي يتصرف في الأمن بكل حرية ولا يتجرؤ أحدا على معارضته حتى نجح في عزل الرئيس بورقيبة عن أقربائه وزوجته مما سهل له عملية الوصول الى رآسة الجمهورية في 7 نوفمبر 1987.
هل كان بن علي الماسك الحقيقي والفعلي للبلاد أم ليلى الطرابلسي وأصهاره؟
في السنوات الأولى كان بن علي هو الماسك الحقيقي للسلطة في البلاد ولم يكن لوزرائه أي قرار حيث عليهم الاستشارة وانتظار الموافقة الرآسية قبل اتخاذ أي قرار.
أتذكر وأنا على رأس إدارة الأمن الخارجي أنه حتى إذا ارتأينا تعيين عون أمن عادي لحراسة إحدى مقراتنا الدبلوماسية أو القنصلية بالخارج يحال مكتوب الاقتراح عن طريق وزير الداخلية الى رئيس الجمهورية الذي يذيل بخط يده الموافقة من عدمها لهذا التعيين. وهذا يدل على مدى إرادة بن علي في التدخل حتى في القرارات العادية والتي هي من مشمولات مدير عادي. الا أنه منذ 1992 بعد زواجه من ليلى الطرابلسي بدأت هذه الأخيرة في تركيز أفراد عائلتها والتدخل لمنحهم امتيازات للحصول على صفقات ومؤسسات بقروض بنكية هامة لم يقع استرجاعها الى حد الآن. وهكذا بدأت ليلى تفرض نفسها على الساحة السياسية وتتدخل في التعيينات وفي شؤون البلاد.
وفي السنوات الأخيرة من ولايته أصبحت لليلى تأثيرا كبيرا على مختلف أعضاء الحكومة وعلى الدولة الشيء الذي جعلها تفكر حتى في خلافة زوجها وذلك أمام الغياب المتواصل للرئيس المخلوع من قصر قرطاج و من دواليب الدولة والاهتمام بابنه والمصالح الخاصة لعائلته.
كيف تسارعت الأحداث في تونس، والنتيجة فرار بن علي الى السعودية؟
بدأ الرئيس زين العابدين بن علي رآسته في السنوات الأولى على أساس اعطاء الأمل للتونسيين وذلك بتطبيق ما جاء في بيان 7 نوفمبر ومنها الانفتاح على الديمقراطية الا أنه لم يف بوعده وظهر ذلك اثر انتخابات 1989 حين تراجع عن تشريك المعارضة وخاصة الاسلاميين منهم. ومنذ زواجه بليلى الطرابلسي التي كان لها تأثير كبير عليه أصبح أفراد عائلتها يتدخلون في شؤون الدولة ويستغلونها لفائدتهم ولم يحرك بن علي ساكنا وهو على علم بكل تصرفاتهم وتصرفات زوجته.
وتأزم الوضع السياسي أكثر بعد ما أنجبت له زوجته ولدا وهو يفتقر لهذا حيث سبق أن أنجب بناتا فقط وأصبح يلازمه في غالب الأوقات على حساب نشاطه الرآسي, كما تفاقمت عمليات قمع المعارضة وخاصة ممن عارضوا عائلته أو قاموا بالمساس بها. كما لم يهتم في سنوات ولايته الأخيرة بالمناطق المهمشة رغم التقارير الأمنية التي تفيد تواجد العديد من الشباب المتحصل على شهائد عليا بدون عمل وتفاقم البطالة بصفة عامة وشعور مواطني هاته المناطق بالتهميش من طرف الدولة مما تسبب في غضب وردود فعل ضد السلطة وحتى ضد عائلة بن علي المتهمة باستغلال امكانيات البلاد لفائدتهم الخاصة. ووصلت هذه الحالة ذروتها سنة 2008 في قضية الرديف ( قضية مناجم صفاقس-قفصة) المتعلقة باستغلال مادة الفسفاط وشعور أهالي المنطقة بعدم الاستفادة من المداخيل الهامة التي ترد من الفسفاط. كانت مظاهرات كبيرة وعنيفة ولأول مرة تظهر شعارات معادية لبن علي وعائلته. ولو أيد الاتحاد العام التونسي للشغل هذا الحراك لكانت وقتها بداية الثورة مما مكن بن علي من تفادي الأسوأ. وهذه الأحداث بينت للتونسيين أن بن علي ليس بالرجل الذي لايقهر كما كانوا يتصورونه.
وهذا الغليان في الشباب العاطل عن العمل ينتظر ساعة الصفر ليتحرك بقوة وذلك رغم أن بن علي وحكومته على علم بهذه الوضعية لأن بن علي على يقين أن استعمال القوة ولو باستعمال السلاح ستأتي على أي تحرك مضاد لسلطته.
وما عملية محمد البوعزيزي الذي أضرم النار في جسده الا الفتيل الذي أشعل النار في البلاد وبدأت الاضطرابات واستعملت الأسلحة الا أن رد فعل الشباب الغاضب كان مضاعفا ووصل حتى الى حرق مقرات الوحدات الأمنية ومراكز السيادة بالجهات الشيء الذي جعل الجيش الوطني يتدخل ليعوض القوات الأمنية في المناطق التي افلتت أمنيا. أما بن علي كان آنذاك يقضي اجازة مع عائلته خارج الوطن في أبوظبي بدون أن يكون الشعب التونسي على علم بهذا الغياب وهي ليست بالمرة الأولى. وبعد اضطرابات 17 ديسمبر 2010 بسيدي بوزيد والتي امتدت الى ولايات أخرى وتواصل استعمال السلاح ضد المتظاهرين مما انجر عنه العديد من الشهداء والجرحى لم يقطع بن علي اجازته الا بعد أن زاد في تأزم الوضع وفشلت السلطة في التحكم فيه حينها أيقن أن الحالة خطيرة وعليه العودة حالا.
وكان يوم 12 جانفي 2011 الذي شهدت فيه مدينة صفاقس أحداث كبيرة ومظاهرات صاخبة بمثابة دق ناقوس الخطر على بن علي الذي بدأ بالظهور بالتلفزة للتهديد في أول الأمر ثم بالتراجع خلال ظهوره على الشاشة مساء يوم 13 جنفي 2011 ليعد باجرءات هامة لفائدة الانفتاح وحرية التعبير الا أن الشعب التونسي لم يقبل بوعوده الغير مستثاق بها حيث نظمت من الغد مظاهرة صاخبة بالعاصمة طلب اثرها المتظاهرون برحيل النظام. وفي نفس اليوم أي 14 جانفي 2011 قامت مجموعات غاضبة بحرق بعض المقرات السكنية الراقية لبعض أفراد عائلة الطرابلسي بالأحواز الشمالية للعاصمة مما أدخل اضطرابا كبيرا لدى كل العائلة, كما تواترت معلومات تتعلق بتهديدات لاغتيال الرئيس بن علي وأخرى تتعلق بتوجه متظاهرين من المجموعات الغاضبة الى قصر قرطاج وغيرها من المعلومات وخاصة خبراحتجاز عددا من عائلة ليلى الطرابلسي زوجة بن علي بمطار تونس قرطاج كانوا على أهبة من مغادرة تراب الجمهورية وذلك من طرف الفرقة الخاصة لمقاومة الارهاب.
كل هذه الأحداث جعلت المدير العام لأمن الرئيس علي السرياطي في حالة ارتعاب وفزع كبيرين. وأمام هذا الوضع قرر بن علي ارسال زوجته وأفراد عائلته الى السعودية بدعوى العمرة على متن الطائرة الرآسية التي طلب استحضارها حالا وتعهد مدير التشريفات بالقيام بالاجراءات اللازمة لطلب الرخص الضرورية للرحلة. وقرر بن علي أن يقوم بتشييع عائلته حتى الطائرة ليطمئن على سفرها. الا أنه وهو على مدرج الطائرة تواترت معلومات تفيد نية الوحدة المختصة التي تحتجز عائلة الطرابلسي في تولي المسك ببرج المراقبة للتحكم فيه عندها أصر المدير العام لأمن الرئيس على بن علي بمرافقة عائلته والبقاء بالخارج يوم أو يومين ريثما ترجع الأمور الى مجاريها ويعود استتباب الأمن لأن الوضع الأمني حاليا لايجعل بن علي في مأمن. ولهذا الغرض غادر بن علي رفقة عائلته في اتجاه المملكة السعودية على عجل بدون أن يكون حاملا لجواز سفره وبدون نظاراته التي تركها بمكتبه لأنه لم يكن ينوي السفر. وهذا ما يدل أنه انتابه الخوف وخير المغادرة والهروب على أساس العودة فيما بعد.
على ذكر الفرار، هل خُيّر بن علي بين أمرَيْن من قيادة الجيش، الرحيل والمغادرة، وإلاّ الإطاحة به وقتله؟
لم تكن لقيادة الجيش الوطني أي دور في سفر بن علي خارج البلاد و لا يوجد أي تهديد لإلزامه على المغادرة و كل ما في الأمر أن مدير الأمن الرئاسي إنتابه الخوف و الفزع من الإنفلات الأمني و التهديدات فطلب من بن علي ضرورة مرافقة عائلته الى السعودية بإعتبار أن الوضع في البلاد و الأحداث المتسارعة جعلته غير قادر على تأمينه كما ينبغي.
لم تكن لبن علي علاقات قوية مع السعودية، لكن فر لها على حساب فرنسا لماذا في اعتقادك، هل كان الأمر مدبرا سلفا أم اضطرارا؟
تربط زين العابدين بن علي بوزير الداخلية السعودي الراحل نايف بن عبد العزيز علاقة متينة و متميزة حيث كان هذا الأخير يزور تونس مرتين في السنة على الأقل: مرة لترأس مجلس وزراء الداخلية العرب و مرة أخرى للصيد حيث مكنه بن علي رخصة خاصة لصيد “الحبارة” في الجنوب التونسي رغم يمنع القانون التونسي صيد هذا النوع من الطيور.
و كان الأمير نايف يتقابل مع بن علي في كل زيارة يؤديها الى تونس حيث كانا يتبادلان الهدايا مما نتج عن ذلك تواجد علاقة متينة بين الرجلين لهذا السبب اختار بن علي التوجه الى العربية السعودية هروبا من الوضع في تونس علما و ان بن على لم يكن يروم التوجه الى فرنسا.
هل كانت لبن علي علاقات اجتماعية وإنسانية خارج محيط عائلته الصغيرة ام لا، وكيف كان يتعامل مع الآخرين، يعني كبار مساعديه؟
منذ بداية ولايته سنة 1987 انتهج بن علي سياسة الإهتمام بالطبقة الشعبية الضعيفة حيث كان يقوم بزيارات فجائية لهاته المناطق تحت تغطية إعلامية كبيرة و على إثرها أحدث صندوق تضامن وطني يطلق عليه اسم ” صندوق 26-26″. التي كانت مداخيله مبرمجة للنهوض بهاته المناطق المهمشة.
و الجدير بالذكر أن بن على كان يلزم الموظفين على المساهمة السنوية في الصندوق كذلك الشأن بالنسبة للقطاع الخاص مما جعل مداخيل الصندوق هامة الا أنه في أواخر سنوات ولايته وقع استغلال هاته المداخيل في غير محلها.
و كان همه الوحيد الإهتمام بعائلته و خاصة ابنه محمد و هو على علم بكل العمليات و الإجراءات التي تتخذ لفائدة مشاريع عائلته و خاصة منها عائلة زوجته ليلى الطرابلسي التي أصبح تأثيرها على الميدان السياسي و الإقتصادي يتزايد شيأ فشيأ.
أما علاقته مع كبار مساعديه فهي علاقة إعطاء التعليمات و الأوامر التي تنفذ حرفيا و لو كان ذلك خارج الإجراءات القانونية الشيء الذي جعل عددا كبيرا من وزرائه بعد الثورة اتهموا في قضايا استغلال النفوذ و تم إيقافهم و إيداعهم بالسجن لاتخاذهم قرارات لا تتماشى مع القوانين الوضعية للبلاد.
و حسب المقربين فإنه أصبح في الخمسة سنوات الأخيرة من ولايته يقضي أكثر وقته رفقة إبنه محمد بقصره بسيدي بوسعيد و لا يقضي في عمله بقصر قرطاج إلا ساعات قليلة مما جعل توسع سلطة زوجته ليلى على الوزراء المستشارين حيث أصبحت تؤثر بصفة كبيرة على الحياة السياسية.
هل كان بن علي مهووسا بالحماية الشخصية له ولعائلته وكيف كان يتم تأمينيه وهل هو من يضطلع بالأمور الدقيقة في المسالة أم مسؤولو الأمن الرئاسي؟
بن علي الذي كان قريبا جدا من الأمن الوطني له هوس أمني كبير و كان يتخذ إحتياطات أمنية هامة خاصة منذ توليه وزارة الداخلية سنة 1986 ثم الوزارة الأولى حيث كان لا يثق إلا بفريقه المكلف بحمايته المقربة. و عندما أصبح رئيسا للجمهورية كان كذلك هاجسه الإحتياطات الأمنية في شخصه و أفراد عائلته سوى في مقر إقامته أو عند تنقلاته، و خلال تنقلاته داخل تراب الجمهورية كانت تتخذ إحتياطات أمنية هامة و كان أمن الرئيس لا يثق إلا في أعوانه مع الحيطة حتى من بقية هياكل الأمن المشاركة في عملية حفظ النظام و هذا ما أزعج في أكثر من مرة الوحدات الأمنية المشاركة. كما كان يشرف بنفسه على برامج الإجراءات الأمنية و قد قام بتعيين سنة 2000 الجنرال علي السرياطي مديرا عاما لأمن الرئيس للثقة التي كان يتميز بها لديه. علما و أن علي السرياطي يتميز بهاجس أمني كبير جعله يتخذ إحتياطات أمنية مفزعة و زيادة على اللزوم.
ارتبط عهد بن علي بوصف البوليس السياسي هل هنالك هيكلة حقيقة ام ماذا؟
وصف نظام بن علي بالبوليس السياسي لا يعني أن هنالك هيكلية خاصة بالموضوع بل كل ما في الأمر هو أن كل من يقوم بمعارضة بن علي أو المساس بأحد أفراد عائلته أو عائلة زوجته ليلى إلا و يكون عرضة لتبعات مختلفة منها التوظيف الجبائي الإجباري، و هو يعتبر سلاحا ردعيا ناجعا للقطاع الخاص يستعمله لتركيع المستهدفين و يستعمل كذلك بعض الفرق الأمنية و التي يترأسها الموالون لبن علي الذين يتمتعون كذلك بحوافز مهنية و مادية هامة و ذلك لتلفيق قضايا ضد المستهدفين و الزج بهم في السجون كما كان الحال بالنسبة للصحفي توفيق بن بريك الذي انتقد بن علي، كانت هذه هي الوسائل الردعية التي يستعملها بن على و التي كبلت حرية التعبير و الصحافة.
هل كان أول ضحاياه وجوه من زمن بورقيبة؟
في الواقع عددا من الوجوه المعروفة التي تحملت مسؤوليات سياسية في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة عاشت السنوات الأولى من ولاية بن علي تحت المراقبة و التصنت و المتابعة مع مسائلة كل من يتصل بهم و من بينهم الوزير السابق محمد الصياح و غيره. كما كان كاتب الدولة للأمن الوطني السابق احمد بنور اللاجئ في باريس هروبا من بطش بن علي كذلك محل متابعة و مراقبة من طرف أعوان مخابرات بن علي بباريس و قد حاول بن علي حث أبو نضال لإغتيال أحمد بنور بتعلة أنه هو من مكن المخابرات الإسرائيلية من معلومات حول القيادي الفلسطيني عاطف بسيسو الذي اغتيل بباريس، و هذا طبعا غير صحيح.
كذلك الأمر بالنسبة للعقيد “محمد لنقر” قائد الطائرة المروحية الخاصة للرئيس الحبيب بورقيبة و الذي توفي في ظروف غامضة و مشبوهة و ذلك على إثر انتقاده لبن علي في الإطاحة بالرئيس بورقيبة. كما زج بكاتب الدولة للأم الوطني في عهد بن علي” الشادلي الحامي” بالسجن بتهمة التعامل مع المخابرات الإسرائيلية لأنه كان على علاقة بمواطنة تدعى ليلى الطرابلسي والتي كانت تتصرف و كأنها ليلى الطرابلسي زوجة بن علي و هذا طبعا لم يرق للسيدة الأولى التي كانت سببا للزج بهما في السجن بتهمة كيدية وهي التعامل مع مصالح أجنبية. علما أنه بعد قضاء سنتين بالسجن افرج عنهما حيث استقبل بن علي الشادلي الحامي المعروف كذلك” بمحمد العربي المحجوبي” بقصر قرطاج ليعلمه أنه وقع تغليطه فيما يخصه و أذن بتسوية وضعيته الإدارية و تمكينه من مستحقاته، هذه بعض الحالات المعروفة بدون حصر تبين التصرف الاستبدادي لبن علي.
هل كان بن علي كارها لا نقول للإسلام ولكن لمظاهره كالحجاب اللحية التردد على المساجد، وكيف كانت نظرته لهذا الملف إجمالا؟

لم يكن بن علي ممن يطبقون فرائض الاسلام وكان يقاوم عناصر ما يسمونهم بالاتجاه الاسلامي بكل شدة. ففي عهده وقع تطبيق الاجراءات في منع الحجاب خاصة بالوظيفة العمومية بكل حزم وكذلك من لهم لحية وأيضا من يتردد على المساجد وبالخصوص للقيام بصلاة الفجر اذ يعتبرهم من العناصر المشبوه فيها في تطرفها الديني.
ففي السنتين الأولتين من ولايته أعطى خطابا توحيديا على أساس تشريك كل الحساسيات السياسية في البلاد ومنها تنظيم الاتجاه الاسلامي الذي غير تسميته فيما بعد باسم ” حركة النهضة ” وهذا يعتبر تماشيا مع ما جاء في بيان السابع من نوفمبر1987 وأظهر انفتاحا جعل الجهات السياسية تستثيقه. الا أنه خلال الانتخابات التشريعية لسنة 1989 وعندما شعر أن المعارضة سيكون لها شأن في مجلس النواب وخاصة تواجد تنظيم الاتجاه الاسلامي تراجع عن وعده وغيرت النتائج لصالح الحزب الحاكم.
ومن هنا بدأ بن علي يظهر بوجهه الحقيقي المعروف بالغطرسة والاستبداد ورفض من يعارضه ومنع كل من يتجرأ المشاركة في حكمه وهكذا بدأت القطيعة مع “الاسلاميين” بعدما شاركوا في الامضاء على الميثاق الوطني الذي أمضت فيه سابقا كل أطياف المعارضة. وواصل تتبعه للعناصر الاسلامية التي ردت الفعل بعملية “باب سويقة ” سنة 1991 حيث أضرموا النار في مقر الحزب الحاكم بما فيه حارسين توفي أحدهما حرقا والثاني لازالا يعاني حتى الآن في نتائج الحروق البليغة التي أصابته.
وواصل قمعه لهم بلا هوادة وكانت مصالحه الأمنية تضع في أولوياتها مكافحة العناصر الاسلامية التابعة للنهضة ومتابعتهم في الداخل وفي الخارج مع استعمال كل الطرق للقضاء عليهم.
وفي نطاق مكافحة الارهاب وقع سن قانون سنة 2003 تماشيا ومقتضيات الوضع الدولي آنذاك وخاصة اثر أحداث 11 سبتمبر 2001 بالولايات المتحدة الا أن هذا القانون صيغ بصفة أن يمكن بن علي من تطبيقه على معارضيه السياسيين بتعلة “مكافحة الارهاب”. ولهذا الغرض وقع تردد في العمل بهذا القانون بعد ثورة 14 جانفي 2011 وأعد مشروع قانون جديد لمكافحة الارهاب ومنع غسيل الأموال سينظر فيه مجلس نواب الشعب ليعوض قانون 2003.
تنويه: هذا الحوار المهم صدر في جريدة الشروق الجزائريّة يوم 28 جانفي 2015 قبل تعيين السيد رفيق الشلي كاتب دولة مكلف بالأمن بوزارة الداخليّة. ونظرا لأهمية ما جاء في الحوار وما فيه من معلومات ومعطيات مهمة تعد شهادة تاريخيّة ارتأى موقع جريدة السفير الإلكترونية إعادة نشره كي يطلع عليه التونسيون أكثر وتعم منه الفائدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

تمديد الاحتفاظ بإطارين من وزارة المالية بشبهات فساد

تونس – السفير  أذنت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس لأعوان الوحدة الوطنية…